لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَجعل اللَّه تعالى صورته صورة حمار"، وقيل: يُغَيِّرُ صفاتها، والأظهر -واللَّه أعلم- أن معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، كما يقال: تَغَيَّر وجه فلان عليّ: أي ظهر لي من وجهه كراهة لي، وتَغَيَّر قلبه عليّ؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. انتهى.
وقال في "الفتح": اختُلِف في الوعيد المذكور، فقيل: هو على حقيقته، والمراد تسوية الوجه بتحويل خلقه عن وضعه بجعله موضعَ القفا، أو نحو ذلك، فهو نظير ما تقدَّم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل اللَّه رأسه رأس حمار، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية، وهي المخالفة.
قال: ويؤيد حمله على ظاهره حديثُ أبي أمامة -رضي اللَّه عنه-: ("لَتُسَوُّنَّ الصفوفَ، أو لَتُطْمَسَنّ الوجوه"، أخرجه أحمد، وفي إسناده ضعف، ولهذا قال ابن الجوزيّ: الظاهر أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} الآية [النساء: ٤٧].
ومنهم من حمله على المجاز، قال النوويّ: معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، كما تقول: تَغَيَّر وجه فلان عليّ: أي ظهر لي من وجهه كراهيةٌ؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن، ويؤيِّده رواية أبي داود وغيره بلفظ:"أو ليخالفَنّ اللَّه بين قلوبكم". انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا داعي لدعوى المجاز، فالحقّ حمله على ظاهره، من تحويل خلق وجهه إلى خلق آخر، ولا ينافيه ما في أبي داود؛ إذ يمكن الجمع بين العقوبتين، أو بعقوبة بعضهم بهذا، وبعضهم بهذا، واللَّه تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: تفترقون فيأخذ كلّ واحد وجهًا غير الذي أخذ صاحبه؛ لأن تقدّم الشخص على غيره مَظِنَّةُ الكبر الْمُفْسِد للقلب، الداعي إلى القطيعة.