وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعنى: لو عَلِموا ما في النداء، والصف الأول من الفضيلة، ثم حاولوا الاستباق إليه لوجب عليهم ذلك، فوضعَ المضارع موضع ما يستدعيه "لو"؛ ليفيد استمرار العلم، وأنه ينبغي أن يكون على بال منه، ثم أتى بـ "ثُمَّ" الْمُؤْذِنةِ بتراخي رتبة الاستباق من العلم، وقَدَّم ذكرَ النداء؛ دلالةً على تَهَيُّؤ المقدمة الموصلة إلى المقصود الذي هو الْمُثُول بين يدي رب العزة، فيكون من المقرّبين، وأَطْلَقَ مفعول "يَعْلَم" يعني "ما"، ولم يُبيّن أن الفضيلة ما هي؟ ليفيد ضربًا من المبالغة، وأنه مما لا يدخل تحت الحصر والوصف، وكذا تصوير حالة الاستباق بالاستهام فيه من المبالغة البالغة حَدَّها؛ لأنه لا يقع إلا في أمر يَتنافس فيه المتنافسون، ويَرْغب فيه الراغبون، ولا سيّما إخراجه مخرج الاستثناء والحصر، وليت شعري بماذا يتشبّث، ويَتَمسّك مَن طَرَقَ سمعَه هذا البيان، ثم يتقاعد عن الجماعة خصوصًا عن الاستباق إلى الصفّ الأول؟ ولعلّه يعتذر بأنه خارج من زمرة من سَمِع وأطاع. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث مفيدٌ.
قال في "الفتح": واستَدَلَّ به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد، وليس بظاهر؛ لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد، ولأن الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام؛ لما فيه من المزية.
وزَعَمَ بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام، وأنه أُخْرِج مخرج المبالغة، واستَأْنَسَ بحديث لفظه:"لتجالدوا عليه بالسيوف"، لكن الأول أظهر، وأقرب، كما بيّنته رواية المصنّف من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة الآتية بلفظ:"لكانت قُرْعَةً"، وهذا هو الذي فهمه البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حيث قال:"باب الاستهام في الأذان"، ثم استشهد على ذلك بقصّة سعد بن أبي وقّاص -رضي اللَّه عنه-، وهو ما أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقيّ كلاهما من طريق أبي