السرّ في ذلك أن بلالًا عارض الخبر برأيه، ولم يذكر عِلّة المخالفة، ووافقه واقد، لكن ذكرها بقوله:"يَتَّخِذنه دَغَلًا"، وهو بفتح المهملة، ثم المعجمة، وأصله الشجر الْمُلْتَفّ، ثم استُعْمِل في المخادعة؛ لكون المخادع يَلُفّ في ضميره أمرًا، ويظهر غيره، وكأنه قال ذلك لَمّا رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت، وحملته على ذلك الْغَيْرة، وإنما أنكر عليه ابن عمر؛ لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلًا: إن الزمان قد تَغَيَّر، وإن بعضهن ربما ظهر منها قَصْدُ المسجد، وإضمار غيره، لكان يَظْهَر أن لا يُنكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة -رضي اللَّه عنها- بما ذُكِر في الحديث الأخير. انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحثٌ نفيسٌ.
(وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ) أي عن الخروج إلى المساجد (قَالَ) ابن شهاب (فَأَقبَلَ عَلَيْهِ) أي بلال (عَبْدُ اللَّهِ) بن عمر -رضي اللَّه عنهما- (فَسَبَّهُ) من باب نصر، أي شتمه (سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ) قد تقدّم من رواية الطبرانيّ تفسير هذا السبّ، باللعن ثلاث مرّات (وَقَالَ) ابن عمر مبيّنًا سبب سبّه له (أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي عن نهيه الرجال عن منع نسائهم إذا استأذنّهم في الخروج إلى المساجد (وَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ)، أي فهذا منكر من القول؛ لأن مقتضى الإيمان أن المسلم إذا سمع أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقول: سمعنا وأطعنا، ولا يعترض برأيه؛ لأنه ينافي الإيمان، قال اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥]، وقال -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية [الحشر: ٧]، وقال -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية [الأحزاب: ٣٦]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- هذا متّفقٌ عليه.