للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالسنيّ، وإذا سمع سنّةً من سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وله رأي رجّح رأيه عليها، وأيُّ فرق بينه وبين المبتدع؟ أما سمع حديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به" (١)، وها هو ابن عمر، وهو من أكابر فقهاء الصحابة، والمرجوع إليه بالفتيا والاجتهاد، كيف غضب للَّه تعالى، ولرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهَجَرَ فِلْذَة (٢) كَبده، وشقيق روحه لتلك الْهَنَة؛ عِبرةً لأولي الألباب. انتهى كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أحسن كلام الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأجمله، كيف يطيب لمسلم يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يخالف السنة لرأيه، أو لرأي أحد من الناس ممن يرى تقليده، وهو يسمع قوله -عزَّ وجلَّ-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦]، هذا هو السبيل، وهذا هو الحقّ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: ٣٢]، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]، اللهم أرنا الحقّ حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، آمين آمين آمين، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحديث صريح في النهي عن المنع للنساء عن المساجد عند الاستئذان، وقوله في الرواية الأخرى: "لا تمنعوا إماء اللَّه" يشعر أيضًا بطلبهن للخروج، فإن المانع إنما يكون بعد وجود المقتضي، ويلزم من النهي عن منعهن من الخروج إباحته لهنّ؛ لأنه لو كان ممتنعًا لم ينه الرجال عن منعهن منه.


(١) حديث ضعيف الإسناد، وصححه النووي في "أربعينه"، فردّ عليه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (٢/ ٣٩٤ - ٣٩٥)؛ لتفرّد نعيم بن حمّاد به، وقد ضعّفه الأكثرون، وفيه انقطاع أيضًا، فراجع ما كتبه بالرقم المذكور، لكن بمعناه الآية: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النساء: ٦٥].
(٢) الْفِلْذ بكسر الذال المعجمة، وسكون اللام: القطعة من الشيء، وجمعها فِلَذ بكسر ففتح، كسِدْرَة وسِدَر، أفاده في "المصباح" ٢/ ٤٨١.