فقد ثبت أن هذه المرأة الجميلة كانت تحضر الصلاة مع النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، ولم تُمنع من ذلك، فتبصّر بالإنصاف.
قال: ومما ذكره بعضهم مما يقتضي التخصيص أن يكون بالليل، وهذا قد جاء في بعض طرق الحديث في "الصحيح": "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل"، فالتقييد بالليل قد يشعر بما قال.
ومما قيل أيضًا في تخصيص هذا الحديث: أن لا يزاحمن الرجال.
وبالجملة فمدار هذا كله النظر إلى المعنى، فما اقتضاه المعنى من المنع، كان خارجًا عن الحديث، وخُصّ العموم به.
وقيل: إن في الحديث دليلًا على أن للرجل أن يمنع امرأته من الخروج إلا بإذنه، وهذا إن أُخِذ من تخصيص النهي بالخروج إلى المساجد، وأن ذلك يقتضي بطريق المفهوم جواز المنع في غير المساجد.
وقد يُعْتَرض عليه بأن هذا تخصيص الحكم باللقب، ومفهوم اللقب ضعيف عند الأصوليين.
ويمكن أن يقال في هذا: إن منع الرجال للنساء من الخروج مشهور معتاد، وقد قُرِّروا عليه، وإنما عُلّق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز، وإخراجه عن المنع المستمر المعلوم، فيبقى ما عداه على المنع، وعلى هذا فلا يكون منع الرجل لخروج امرأته لغير المسجد مأخوذًا من تقييد الحكم بالمسجد فقط.
ويمكن أن يقال فيه وجه آخر، وهو أن في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه" مناسبةً تقتضي الإباحة، أعني كونهن إماء اللَّه بالنسبة إلى خروجهن إلى مساجد اللَّه، ولهذا كان التعبير بإماء اللَّه، أوقع في النفس من التعبير بالنساء لو قيل، وإذا كان مناسبًا أمكن أن يكون علة للجواز، وإذا انتفى انتفى الحكم؛
(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذيّ برقم (٣٠٤٧)، والنسائيّ (٨٧٠)، وابن ماجه (١٠٤٦).