للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهذا ظاهر في أن استراقهم السمع استَمَرَّ بعد النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، فكانوا يَقْصِدون استماع الشيء مما يحدث، فلا يصلون إلى ذلك، إلا إن اختَطَف أحدهم بخفة حركته خَطْفةً، فيتبعه الشهاب، فإن أصابه قبل أن يُلقيها لأصحابه فاتت، وإلا سمعوها وتداولوها، وهذا يرد على قول السهيليّ المقدّم ذكره. انتهى ما في "الفتح"، وهو بحث نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم.

(فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا) أي قال لهم رؤساؤهم، قال في "الفتح": الذي قال لهم ذلك هو إبليس، كما تقدّم في رواية أبي إسحاق المتقدّمة قريبًا. انتهى (١). (مَا لَكُمْ؟) "ما" استفهاميّة، أي أيّ شيء ثبت عندكم؟ (قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاءِ) المراد جنس الأخبار التي في السماء عند الملائكة (وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا ذَاكَ) "ما" نافية، أي ليس هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء (إِلَّا مِنْ) زائدة، كما قال في "الخلاصة":

وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرّ … نَكِرَةً كَـ "مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرّ"

ويَحْتَمِل أن تكون أصليّة للتعليل، ويعود اسم الإشارة إلى حصول الحيلولة، أي ليس حصول الحيلولة بيننا وبين خبر السماء إلا من أجل (شَيْءٍ حَدَثَ) أي وُجد بعد أن لم يكن (فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) بنصب "مشارق"، و"مغارب" على الظرفيّة، أي سيروا في الأرض كلّها، فالمشارق والمغارب كناية عن الكلّ، ويقال: فلان ضرب في الأرض، أي سار فيها، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: ١٠١]، وقوله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠]، ومنه أيضًا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدّثان، فإن اللَّه تعالى يمقت على ذلك" (٢).

وفي رواية نافع بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عند أحمد: "فَشَكَوا ذلك


(١) "الفتح" ٨/ ٥٤١ "كتاب التفسير" رقم (٤٩٢٠ - ٤٩٢١).
(٢) أبو داود، وابن خزيمة، وفي سنده عياض بن عبد اللَّه، أو عبد اللَّه بن عياض مجهول، لكن صححه الشيخ الألباني لغيره، انظر: "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (١٥٥).