للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكتب في حسن لفظه، وصحّة معانيه، قائمة في دلائل الإعجاز، وانتصاب "عجبًا" على أنه مصدرٌ وُضِع موضع التعجب، وفيه مبالغةٌ، والْعَجَبُ ما خَرَج عن حدّ أشكاله ونظائره.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: {قُرْآنًا عَجَبًا} أي في فصاحة كلامه، وقيل: عجبًا في بلاغة مواعظه، وقيل: عجبًا في عظم بركته، وقيل: قرآنًا عزيزًا، لا يوجد مثله، وقيل: يعنون عظيمًا. انتهى (١).

({يَهْدِي}) جملة في محلّ نصب صفة لـ "عجبًا"، أي هاديًا ({إِلَى الرُّشْدِ}) أي يدعو إلى الصواب، وقيل: يَهدِي إلى التوحيد والإيمان، وقيل: يهدي إلى مراشد الأمور، وقيل: إلى معرفة اللَّه تعالى: ({فَآمَنَّا بِهِ}) أي فاهتدينا بالقرآن، وصدَّقنا أنه من عند اللَّه تعالى.

قال في "الفتح": قال الماورديّ: ظاهر هذا أنهم آمنوا عند سماع القرآن، قال: والإيمان يقع بأحد أمرين: إما بأن يَعْلَم حقيقةَ الإعجاز، وشروط المعجزة، فيقع له العلم بصدق الرسول، أو يكون عنده علم من الكتب الأولى، فيها دلائل على أنه النبيّ المبشَّر به، وكلا الأمرين في الجنّ محتمل. انتهى (٢).

ونقل القاضي عياض عن المازريّ أنه قال: ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن، ولا بدّ لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز، وشروط المعجزة، وبعد ذلك يقع العلم له بصدق الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإما أن يكون الجنّ علموا بذلك، أو علموا من كتب الرسل المتقدّمة ما دلّهم على أنه هو النبيّ الصادق الْمُبَشَّر به. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "لا بدّ لمن آمن. . . إلخ"، وكذا ما قبله من كلام المازريّ شيء عجيبٌ، فمن أين له هذا الشرط؟ فأي آية دلّت عليه؟ ومتى قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: من شرط الإيمان بي العلم بحقيقة الإعجاز، وشروط المعجزة؟ بل هذا قول تبع فيه المتكلّمين الذين يتّبعون أهواءهم، فيقول


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧.
(٢) "الفتح" ٨/ ٥٤٣.
(٣) "إكمال المعلم" ٢/ ٣٦١.