للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحدهم: أول واجب على المكلّف النظر، ويقول الآخر: لا، بل أول الواجب الشكّ، ثم النظر، إلى آخر ما تنازعوا فيه مما هو مهزلة في الدين، واتّباع لسبيل المعتدين من الفلاسفة والملحدين.

فمن رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو سمع كلامه، أو استمع إلى قراءته، فآمن، فذلك المؤمن الذي شرح اللَّه تعالى صدره للإسلام، فلا يجوز أن نقول له: هل علمت المعجزة، وهل علمت معنى الإعجاز، وهل، وهل، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، وقد استوفيت هذا البحث في المسائل التي كتبتها في أوائل "كتاب الإيمان"، فارجع إليها ترى العجب العجاب، وتجد ما يسرّك مما جاء عن السلف من فصل الخطاب، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

({وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}) لَمّا كان الإيمان بالقرآن إيمانًا باللَّه عزَّ وجلَّ، وبوحدانيته، وبراءةً من الشرك، قالوا: {وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، أي من خلقه، وجاز أن يكون الضمير في {بِهِ} للَّه تعالى؛ لأن قوله: {بِرَبِّنَا} يفسّره، قاله النسفيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} أي لا نرجع إلى إبليس، ولا نطيعه؛ لأنه الذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر، ثم رُمِي الجن بالشهب، وقيل: لا نتخذ مع اللَّه إلهًا آخر؛ لأنه المتفرد بالربوبية، وفي هذا تعجيب المؤمنين بذهاب مشركي قريش عما أدركته الجنّ بتدبرها القرآن. انتهى (٢).

(فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {قُلْ} أي قل يا محمد، أي أخبر قومك ما ليس لهم به علم، ثم بَيَّنَ له ما يقوله، فقال: ({أُوحِيَ إِلَيَّ}) قال في "العمدة": وقرأ حيوة الأسديّ: "قل أُحِيَ إليّ"، وقال الزجاج في "المعاني": الأكثر أَوْحَيْتُ، ويقال: وَحَيْتُ، فالأصل وُحِيَ. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقرأ ابن أبي عَبْلة: "أُحِيَ" على الأصل، يقال: أَوْحَى إليه، ووَحَى، فقُلِبت الواو همزةً، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}


(١) "تفسير النسفيّ" ٤/ ٢٩٩.
(٢) "تفسير القرطبي" ١٩/ ٧.
(٣) "عمدة القاري" ٦/ ٥٤.