للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، قال: خلق اللَّه الجنّ قبل آدم بألفي سنة، وعن ابن عباس: كان الجن سكان الأرض، والملائكة سكان السماء، وقال بعضهم: عَمَرُوا الأرض ألفي سنة، وقيل: أربعين سنة، وقال إسحاق بن بشر في "المبتدأ": قال أبو رَوْق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما خلق اللَّه شوما أبا الجن، وهو الذي خُلق من مارج من نار، فقال تبارك وتعالى: تمنَّ، قال: أتمنى أن نَرَى ولا نُرَى، وأن نغيب في الثَّرَى، وأن يصير كهلنا شابًّا، فأعطي ذلك، فهم يَرَون ولا يُرَون، وإذا ماتوا غُيِّبوا في الثرى، ولا يموت كهلهم حتى يعود شابًّا، يعني مثل الصبي، ثم يردّ إلى أرذل العمر، قال: وخلق اللَّه آدم عليه السلام فقيل له: تمنَّ، فتمَنَّى الْحِيَل، فأعطي الحيل.

وفي "التلويح": وقد اختُلِف في أصلهم: فعن الحسن أن الجنّ ولد إبليس، ومنهم المؤمن والكافر، والكافر يسمى شيطانًا، وعن ابن عباس: هم ولد الجانّ، وليسوا شياطين، منهم الكافر والمؤمن، وهم يموتون، والشياطين وَلَد إبليس لا يموتون إلّا مع إبليس.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الظاهر أن هذه الحكايات كلّها من الإسرائيليّات التي لا اعتماد عليها، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

قال: واختلفوا في مآل أمرهم على حسب اختلافهم في أصلهم، فمن قال: إنهم من ولد الجانّ، قال: يدخلون الجنة بإيمانهم، ومن قال: إنهم من ذرية إبليس، فعند الحسن يدخلونها، وعن مجاهد لا يدخلونها، وقال: ليس لمؤمني الجن غير نجاتهم من النار، قال تعالى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: ٣١]، وبه قال أبو حنيفة، ويقال لهم كالبهائم: كونوا ترابًا، وفي رواية عن أبي حنيفة أنه تردَّد فيهم، ولم يَجْزِم، وقال آخرون: يعاقبون في الإساءة، ويجازَون في الإحسان، كالإنس، وإليه ذهب مالك، والشافعيّ، وابن أبي ليلى؛ لقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: ١٣٢]، بعد قوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الآية [الأنعام: ١٣٠]. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا القول الأخير هو الصواب؛ لوضوح حجته.


(١) "عمدة القاري" ٦/ ٥٥.