الشديد (فَلَمَّا أَصْبَحْنَا) أي دخلنا في الصباح (إِذَا هُوَ جَاءٍ)"إذا" هي الفجائيّة، أي ففاجأنا مجيئه -صلى اللَّه عليه وسلم- (مِنْ قِبَلِ) بكسر القاف، وفتح الموحّدة: أي من جهة (حِرَاءٍ) بالكسر، والمدّ، ويُقصر، ويذكّر، فيُصرف، ويؤنّث، فيُمْنَع من الصرف، ففيه أربع لغات، وقال في "القاموس": حِرَاءٌ: ككِتاب، وكعَلَى، عن عياض، ويؤنَّث، ويمنع من الصرف: جبل بمكة، فيه غارٌ تحنّث فيه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى.
(قَالَ) ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْنَاكَ، فَطَلَبْنَاكَ، فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ) أي الداعي الذي أرسلته الجنّ، فالإضافة فيه بمعنى "من" (فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ"، قَالَ) ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (فَانْطَلَقَ) أي ذهب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (بِنَا) أي بالصحابة الذين باتوا بشرّ ليلة باتها قوم، من أجل أنهم فقدوا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَأَرَانَا آثَارَهُمْ) بالمدّ: جمع أَثَرٍ بفتحتين، كسبب وأسباب، والأثر: بقيّة الشيء (وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ) أي ما بقي من النيران التي أوقدوها تلك الليلة لأغراضهم.
(وَسَأَلُوهُ) أي طلب أولئك الجنّ من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (الزَّادَ) وفي نسخة: "عن الزاد"، والمراد به طعامهم، وعلف دوابّهم، وأصل الزاد هو الطعام الذي يتّخذه المسافر في سفره، قال الفيّوميّ: زاد المسافر: طعامه المتَّخذ لسفره، والجمع: أزواد. انتهى (١)، ولعلّ التعبير بالزاد؛ لأنهم كانوا رُحّلًا مثل ما كانت الأعراب ترحل من محلّ إلى آخر؛ لطلب الكلإ ونحوه، وسيأتي في الرواية التالية زيادة:"وكانوا من جِنّ الجزيرة".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تكلّم العلماء في قوله: "وسألوه الزاد. . . إلخ" أنه مدرج من كلام الشعبيّ، وسيأتي تفصيل ما قالوه في المسألة الثالثة -إن شاء اللَّه تعالى-.
(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ) "كلُّ" مبتدأ، خبره جملة "يقع في أيديكم"، ويحتمل أن يكون الجارّ والمجرور قبله خبرًا، أي كلُّ عظم كان لكم زادًا، (ذُكِرَ) بالبناء للفعول (اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) والجملة من الفعل والنائب في محلّ جرّ صفة لـ "عظم".