للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَسَّر الإمام المبهم هنا بمعاذ، بل المراد به أُبَيّ بن كعب، كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن، من رواية عيسى بن جارية -وهو بالجيم- عن جابر، قال: كان أُبّيّ بن كعب يصلّي بأهل قباء، فاستفتح سورة طويلةً، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها انفتَلَ من صلاته، فغضب أُبَيّ، فأتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أُبَيًّا، فغضب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى عُرِف الغضب في وجهه، ثم قال: "إن منكم منفرين، فإذا صلّيتم فأوجزوا، فإن خلفكم الضعيفَ، والكبيرَ، والمريضَ، وذا الحاجة"، فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب: "مما يطيل بنا فلان"، أي في القراءة، واستفيد منه أيضًا تسمية الإمام، وبأيّ موضع كان، وفي الطبرانيّ من حديث عديّ بن حاتم: "مَن أَمّنا، فَلْيُتِمّ الركوع والسجود". انتهى (١).

وقوله: (مِمَّا يُطِيلُ بِنَا) "من" هنا للتعليل، و"ما" مصدريّة، و"يُطيل" من الإطالة، أي من أجل إطالته القراءة في الصلاة علينا، وفي رواية البخاريّ: "مما يُطوّل"، من التطويل.

(فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي غَضَبًا أشدّ، أو منصوب على الحال من "النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-".

وسببه إما لمخالفة الموعظة، أو للتقصير في تعلُّم ما ينبغي تعلمه، كذا قاله ابن دقيق العيد.

وتعقّبه تلميذه أبو الفتح اليعمريّ بأنه يتوقف على تقدم الإعلام بذلك، قال: ويَحْتَمِل أن يكون ما ظهر من الغضب؛ لإرادة الاهتمام بما يُلقيه لأصحابه؛ ليكونوا من سماعه على بالٍ؛ لئلا يعود مَن فَعَل ذلك إلى مثله.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وأقول: هذا أحسن في الباعث على أصل إظهار الغضب، أما كونه أشدّ فالاحتمال الثاني أوجه، ولا يَرِدُ عليه التعقب المذكور. انتهى (٢).

(مِمَّا غَضِبَ) "من" صلة "أشدّ"، و"ما" مصدريّة، أي غضبه (يَوْمَئِذٍ) أي يوم أُخبر بذلك (فَقَالَ) أي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وفي رواية البخاريّ: "أيها الناس" بحذف حرف النداء.


(١) "الفتح" ٢/ ٢٣٢.
(٢) "الفتح" ٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣.