للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ) "كيف" هنا استفهاميّة، أي على أيّ كيفيّة أرادها، من التطويل والتخفيف؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره، وفي رواية همّام بن منبّه التالية: "فليُطل صلاته ما شاء"، وفي "مسند السرّاج": "فليُطِل إن شاء".

قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هل هذا الأمر أمرُ استحباب كالمذكور قبله، أو أمر إباحة، وترخيص؟ يترجح الأول؛ لكونه أمرًا في عبادة، ويترجح الثاني لتعليقه بمشيئة المصلّي، ولو كان للاستحباب لم يُعَلَّق بمشيئته، ولا يحتمل هنا أن يكون للوجوب كما قيل به في الأمر الذي قبله. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا ذكر العراقيّ الاحتمالين بدون ترجيح لأحدهما، والذي يظهر لي ترجيح الثاني؛ لأن الغالب من صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- وحده التطويل، لا التخفيف، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: الإطالة المذكورة مشروطة بأن تؤدّي إلى خروج الوقت، وإلا فلا، وجوّز بعضهم الإطالة، ولو خرج الوقت، وهو المصحّح عند بعض الشافعيّة، وفيه نظرٌ؛ لأنه يعارضه عموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجيء وقتُ الصلاة الأخرى"، رواه مسلم، ولفظ أبي داود: "إنما التفريط في اليقظة أن تُؤَخَّر صلاةٌ حتى يدخل وقت أخرى"، أفاده في "الفتح" (١)، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.

[تنبيه آخر]: قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا التطويل إنما هو في الأركان التي تَحْتَمِل التطويل، وهي القيام، والركوع، والسجود، والتشهد، دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله العراقيّ من تقييده التطويل ببعض الأركان مما لا دليل عليه، بل الأدلّة بخلافه، فقد أخرج الشيخان عن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: "كان ركوع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين قريبًا من السواء"، وفي رواية لمسلم: عن البراء بن عازب -رضي اللَّه عنهما-


(١) ٢/ ٢٣٤.
(٢) "طرح التثريب" ٢/ ٣٥٣.