(المسألة الثالثة): قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحكم، وهو الأمر بالتخفيف مذكور مع علته، وهو كون المأمومين فيهم السقيم والضعيف والكبير، فإن انتفت هذه العلة، فلم يكن في المأمومين أحدٌ من هؤلاء، وكانوا محصورين، ورَضُوا بالتطويل طَوَّل؛ لانتفاء العلة، وبذلك صَرَّح أصحابنا وغيرهم.
وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد بان في هذا الحديث العلة الموجِبَة للتخفيف، وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة؛ لأنه وإن عَلِمَ قُوّةَ مَن خلفه، فإنه لا يَدري ما يحدُث لهم من آفات بني آدم، ولذلك قال:"فإذا صلّى أحدكم لنفسه، فليطوِّل ما شاء"؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره، وقد يحدث لظاهر القوّة، ومَن يَعْرِف منه الحرص على طول الصلاة حادث من شُغْل، وعارض من حاجة، وآفة من حدَث وبول أو غيره. انتهى.
وتبعه على ذلك ابن بطّال، فذكر مثل هذا الكلام.
قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهو ضعيف، فإن الاحتمال الذي لم يَقُم عليه دليل، لا يترتب عليه حكم، فإذا انحصر المأمومون ورَضُوا بالتطويل، لا نأمر إمامهم بالتخفيف؛ لاحتمالِ عارضٍ لا دليل عليه، وحديثُ أبي قتادة يَرُدُّ على ما ذكراه، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"إني لأقوم في الصلاة، وأنا أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبيّ، فأتجوَّز كراهية أن أشقّ على أمه".
فإرادته -صلى اللَّه عليه وسلم- أوّلًا التطويل يدلُّ على جواز مثل ذلك، وما تركه إلا لدليل قام على تضرّر بعض المأمومين به، وهو بكاء الصبيّ الذي يشغل خاطر أمه، واللَّه أعلم. انتهى كلام العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله العراقى: حسنٌ جِدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حدُّ التطويل ما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي التي هو فيها، ثم استدَلّ على ذلك بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى الظهر في الوقت الذي صلّى فيه العصر بالأمس، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وقتُ الصبح ما لم تطلع الشمس، ووقت العصر ما لم تغرُب الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط نُور الشفق، ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل"، قال: فصحّ يقينًا أن من دخل في صلاة في آخر وقتها، فإنما يصلّي باقيها في وقت الأخرى، أو في