للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا التعقّب فيه نظرٌ لا يخفى، بل ردّ ابن القيّم: هو الوجه السديد، فتأمّله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وقال بعض شيوخ شيوخنا: معنى قوله: "قريبًا من السواء" أن كل ركن قريب من مثله، فالقيام الأول قريب من الثاني، والركوع في الأولى قريب من الثانية، والمراد بالقيام والقعود اللذين استُثْنِيا الاعتدال والجلوس بين السجدتين، ولا يخفى تكلُّفه.

واستُدِلّ بظاهره على أن الاعتدال ركن طويلٌ، ولا سيما قوله في حديث أنس الآتي: "حتى يقول القائل: قد نسي"، وفي الجواب عنه تعسُّفٌ. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: بل هو تعسّف بارد بعيد عن مدلول الحديث، فتبصّر.

(فَرَكْعَتَهُ) المراد به الركوع (فَاعْتِدَالَهُ) أي استواءه قائمًا (بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ) أي الرجوع من موضع صلاته إلى موضع حاجته، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يجلس بعد التسليم شيئًا يسيرًا في مصلّاه. انتهى (٢).

وكان جلوسه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد التسليم حتى ينصرف النساء قبل أن يراهنّ الرجال، فقد أخرج البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" عن أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مَقَامه يسيرًا قبل أن يقوم، قال: نَرَى -واللَّه أعلم- أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهنّ أحد من الرجال.

وقوله: (قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ") منصوب على أنه مفعول ثانٍ لـ "وَجدتُ".

والمراد أن مقدار قيامه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وركوعه، وسجوده، واعتداله، وجلوسه بين السجدتين، وكذا جلوسه بعد التسليم من الصلاة، إلى أن ينصرف إلى حاجته متقارب، وفيه إشعار بأن فيها تفاوتًا، لكنه لم يُعَيِّنه، وهو دالّ على تطويل الاعتدال، والجلوس بين السجدتين؛ لِمَا عُلِم من عادته -صلى اللَّه عليه وسلم- من تطويل الركوع


(١) "الفتح" ٢/ ٣٢٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ١٨٨.