للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} الآية [طه: ٩١]، وإنا كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصّةً فالوجهان، نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} الآية [البقرة: ٢١٤]، فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال، لا بالنظر إلى زمن قصّ ذلك علينا، وكذلك لا يرتفع الفعل بعد "حتى" إلا إذا كان حالًا، ثم إن كانت حاليّته بالنسبة إلى زمن التكلّم فالرفع واجبٌ، كقولك: سرتُ حتى أدخلُ البلدَ، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليّته ليست حقيقيةً، بل محكيّةً رُفع، وجاز نصبه إذا لم تقدّر الحكاية، نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} الآية قرأ نافع بالرفع بتقدير: حتى حالتهم حينئذ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا.

(واعلم): أنه لا يرتفع الفعل بعد "حتى" إلا بثلاثة شروط:

[أحدها]: أن يكون حالًا، أو مؤوّلًا بالحال كما مثّلنا.

[والثاني]: أن يكون مسبَّبًا عما قبلها، فلا يجوز: سرتُ حتى تطلعُ الشمس؛ لأن طلوع الشمس لا يتسبّب عن السير.

[والثالث]: أن يكون فضلةً، فلا يصحّ في نحو: سيري حتى أدخلها؛ لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر. انتهى كلام ابن هشام -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وإلى القاعدة المذكورة لـ "حتى" أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة" حيث قال:

وَبَعْدَ "حَتَّى" حَالًا أَوْ مُؤَوَّلَا … بِهِ ارْفَعَنَّ وَانْصِبِ الْمُسْتَقْبَلَا

(قَدْ نَسِيَ) أي ترك النزول للسجود، وأهمله، و"نَسِيَ" -بفتح أوله، وكسر ثانيه- من باب رَضِيَ نَسْيًا -بالفتح- ونِسْيًا، ونِسيانًا، ونِسَاوَةً بكسرهنّ، ونَسْوةً: ضدّ حَفِظَهُ، أفاده في "القاموس"، و"اللسان" (٢)، وفي "المصباح": نَسِيتُ الشيءَ أَنْسَاهُ نِسْيانًا مشترك بين معنيين: أحدهما: ترك الشيء على ذُهُول وغَفْلَة، وذلك خلافُ الذكر له، والثاني: الترك على تعمّد، وعليه قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: ٢٣٧]، أي لا تقصدوا الترك والإهمال،


(١) راجع: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ٢٥٠.
(٢) راجع: "القاموس المحيط" ٤/ ٣٩٥، و"لسان العرب" ١٥/ ٣٢٢.