ابن أبي حاتم، عن أبيه، أن هذا الرجل ليس بمعروف، وأخرجه ابن مردويه، من حديث ابن مسعود، قال: سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر مثله، وفي الباب عن جابر، عند البزار، وعن أبي هريرة، عند الطبريّ، وعن عبد اللَّه بن عمرو، عند أبي يعلى. انتهى.
وقال في شرح حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "لم يَبْقَ من النبوة إلا المبشرات" ما نصّه: كذا ذكره باللفظ الدالّ على المضِيّ تحقيقًا لوقوعه، والمراد الاستقبال، أي لا يبقى، وقيل: هو على ظاهره؛ لأنه قال ذلك في زمانه، واللام في النبوة للعهد، والمراد نبوته، والمعنى: لم يبق بعد النبوة المختصّة بي إلا المبشرات، ثم فسرها بالرؤيا، وصَرَّح به في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- عند أحمد، بلفظ:"لم يبق بعدي"، وقد جاء في حديث ابن عباس أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك في مرض موته، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائيّ، من طريق إبراهيم بن عبد اللَّه بن مَعْبد، عن أبيه، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَشَفَ السِّتَارة، ورأسُهُ معصوب، في مرضه الذي مات فيه، والناسُ صفوفٌ خلفَ أبي بكر، فقال:"يا أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له. . . " الحديث، وللنسائيّ من رواية زُفَر بن صَعْصَعَة، عن أبي هريرة، رفعه:"إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة"(١)، وهذا يؤيّد التأويل الأول.
وظاهر الاستثناء مع ما تقدّم من أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، أن الرؤيا نبوّة، وليس كذلك؛ لما تقدم أن المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة؛ أو لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له، كمن قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه رافعًا صوته، لا يسمى مؤذِّنًا، ولا يقال: إنه أذّن، وإن كانت جزءًا من الأذان، وكذا لو قرأ شيئًا من القرآن، وهو قائم، لا يسمى مصليًا، وإن كانت القراءة جزءًا من الصلاة.
ويؤيِّده حديث أم كرز -بضم الكاف، وسكون الراء، بعدها زاي- الكعبية -رضي اللَّه عنها-، قالت: سمعت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ذَهَبَت النبوة، وبقيت
(١) راجع: "السنن الكبرى" للنسائيّ في "كتاب التعبير" (٤/ ٣٨٢).