المبشِّرات"، أخرجه أحمد، وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، ولأحمد عن عائشة -رضي اللَّه عنها- مرفوعًا: "لم يبق بعدي من المبشِّرات إلا الرؤيا"، وله، وللطبرانيّ، من حديث حُذيفة بن أَسِيد -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "ذهبت النبوة، وبقيت المبشِّرات"، ولأبي يعلى، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-، رفعه: "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، ولا نبيّ، ولا رسول بعدي، ولكن بقيت المبشرات"، قالوا: وما المبشرات؟ قال: "رؤيا المسلمين، جزء من أجزاء النبوة".
قال الْمُهَلَّب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: التعبير بالمبشرات خرج للأغلب، فإن من الرؤيا ما تكون منذرةً، وهي صادقة، يريها اللَّه للمؤمن؛ رفقًا به؛ لِيَستعِدَّ لما يقع قبل وقوعه.
وقال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ- معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي، ولا يبقى ما يُعْلَم منه ما سيكون إلا الرؤيا.
ويَرِدُ عليه الإلهام، فإن فيه إخبارًا بما سيكون، وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا، ويقع لغير الأنبياء، كما في حديث مناقب عمر -رضي اللَّه عنه-: "قد كان فيمن مَضَى من الأمم مُحَدَّثون"، وفُسِّر المحدَّث -بفتح الدال- بالملهم -بالفتح- أيضًا، وقد أخبر كثير من الأولياء عن أمور مغيبة، فكانت كما أَخْبَروا.
والجواب أن الحصر في المنام؛ لكونه يشمل آحاد المؤمنين، بخلاف الإلهام، فإنه مُخْتَصّ بالبعض، ومع كونه مختصًّا، فإنه نادر، فإنما ذكر المنام لشموله، وكثرة وقوعه.
ويشير إلى ذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن يكن"، وكأن السّر في ندور الإلهام في زمنه، وكثرته من بعده غلبة الوحي إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- في اليقظة، وإرادة إظهار المعجزات منه، فكان المناسب أن لا يقع لغيره منه في زمانه شيء، فلما انقطع الوحي بموته، وقع الإلهام لمن اختَصَّه اللَّه به؛ للأمن من اللبس في ذلك.
وفي إنكار وقوع ذلك مع كثرته، واشتهاره، مكابرةٌ ممن أنكره. انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ.