كلام اللَّه تعالى وبين كلام الخلق في موضع واحد، فيكونا على السواء. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الطيبيّ مخدوشٌ؛ فإن القيام فيه دعاء الاستفتاح، وقد جُمع مع قراءة الفاتحة وغيرها من القرآن، فتبصّر.
(فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عزَّ وجلَّ) أي سبّحُوه، ونَزِّهوه، ومَجِّدوه، والفاء الأولى فاء الفصيحة، أي إذا عرفتم أن قراءة القرآن منهيّ عنها في حال الركوع والسجود، وأردتم معرفة الأذكار المشروعة فيهما، فأقول لكم:"فأما الركوع، فعظّموا فيه الربّ إلخ"، وأما الفاء الثانية، فهي رابطة لجواب "أما"، وهي حرف تفصيل، وفصل، وتوكيد، بمعنى "مهما يكن من شيء"، كما قال في "الخلاصة":
والمعنى: أن المشروع في الركوع هو تعظيم الربّ عزَّ وجلَّ بأنواع التسبيح، والتحميد، والتقديس المذكورة في أحاديث هذا الباب، وغيرها، فإنه اللائق به، فهو أولى من الدعاء، فيه.
[فإن قيل]: هذا يعارضه ما سيأتي من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:"سبحانك اللهم ربنا، وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن، متّفق عليه، فإنه يدلّ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو في الركوع.
[أجيب]: بأنه لا معارضة بينهما؛ لأن ذلك قليلٌ بالنسبة إلى التسبيح، وغيره من أنواع التعظيم المشروع في حال الركوع، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ) أي فيه، يعني أن الأولى في حال السجود الاجتهاد في الدعاء.
[فإن قلت]: هذا يعارضه ثبوت التسبيح في السجود، فقد أخرج أبو داود، وغيره، عن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه- قال: لَمّا نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)} قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)}، قال:"اجعلوها في سجودكم"، صححه ابن خزيمة (١).
(١) في سنده إياس بن عامر الغافقيّ، صحح حديثه ابن خزيمة، وقال العجليّ: لا بأس =