للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا قول حُذّاق النحويين، وأئمّتهم، وقد ذهب بعضهم إلى أن "سبحان" جمع سِبَاح، من سَبَحَ يسبح في الأرض: إذا ذهب فيها سبحًا وسباحًا، وهذا كحِسَاب وحُسبان، وقيل: جمع سَبيح للمبالغة من التسبيح، مثل خبير وعليم، ويُجمع على سُبْحان، كقَضِيب وقُضبان، وأبطل القرطبي هذين القولين بدليل عدم صرفه، كما مرّ في بيت الأعشى (١).

(اللَّهُمَّ) تقدّم قريبًا أن أصلها "يا أللَّه"، فحُذفت "يا"، وعُوّض عنها الميم المشدّدة (رَبَّنَا) منادى بحذف حرف النداء، أي يا ربّنا (وَبِحَمْدِكَ) متعلّق بفعل محذوف دلّ عليه التسبيح، أي بحمدك سبّحتك، ومعناه: بتوفيقك لي، وهدايتك، وفضلك عليّ سبَّحتك، لا بحولي وقُوّتي، ففيه شكر اللَّه تعالى على هذه النعمة، والاعتراف بها، والتفويض إلى اللَّه تعالى، وأن كل الأفعال له، واللَّه أعلم، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال القرطبيّ بعد ذكره نحو ما تقدّم: هكذا قولهم، وكأنهم لاحظوا أن الحمد هنا بمعنى الشكر، قال: ويظهر لي وجه آخر، وهو إبقاء معنى الحمد على أصله، ويكون إثباتًا للسبب، ويكون معناه: بسبب أنك موصوفٌ بصفات الكمال والجلال سبّحك المسبِّحون، وعظّمك المعظّمون، واللَّه تعالى أعلم (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد أشبعت هذا البحث في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد (٣)، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقوله: (اللَّهُمَّ) كرّره للتأكيد (اغْفِرْ لِي") أي استر ذنوبي، واصفح عنها.

وقولها: (يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) أي يَعْمَل ما أُمر به في قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر: ٣]، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول هذا الكلام البديع في الجزالة المستوفِيَ ما أُمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان يختارها لأداء هذا الواجب الذي أُمر به؛ ليكون أكمل، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٤).


(١) راجع: "المفهم" ٢/ ٨٧ - ٨٨، و"إكمال المعلم" ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٢) "المفهم" ٢/ ٨٨.
(٣) راجع: "ذخيرة العقبى" ١٣/ ١٥٢.
(٤) "شرح النوويّ" ٤/ ٢٠١.