للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه وبحمده"، حتى أَمَلَّ، فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقدَ، قال: فقال لي يومًا لِمَا يرى من خفتي له، وخدمتي إياه: "سلني يا ربيعة أعطك"، قال: فقلت: أَنْظُر في أمري يا رسول اللَّه، ثم أُعْلِمك ذلك، قال: ففكرت في نفسي، فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقًا سَيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لآخرتي، فإنه من اللَّه عزَّ وجلّ بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت، فقال: "ما فعلتَ يا ربيعة؟ "، قال: فقلت: نعم يا رسول اللَّه، أسألك أن تشفع لي إلى ربك، فيعتقني من النار، قال: فقال: "من أمرك بهذا يا ربيعة؟ "، قال: فقلت: لا واللَّه الذي بعثك بالحقّ ما أمرني به أحدٌ، ولكنك لَمّا قلت: "سلني أعطك"، وكنتَ من اللَّه بالمنزل الذي أنت به، نظرتُ في أمري، وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقًا سيأتيني، فقلت: أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لآخرتي، قال: فصمت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طويلًا، ثم قال لي: "إني فاعل، فأعنّي على نفسك بكثرة السجود". انتهى.

وهذا إسناد صحيحٌ، وقد صرّح فيه ابن إسحاق بالتحديث، فزالت تهمة التدليس منه.

(فَقَالَ لِي: "سَلْ") بفتح السين المهملة، أمر من سأل يسأل، وأصله اسأل، فخُفّف، ويَحتمل أن يكون أمرًا من سال يسال، كخاف يخاف، لغة في سأل يسأل بالهمزة (١).

والمعنى: اطلب مني حاجتك حتى أكافئك في خدمتك لي.

(فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ) أي كوني رفيقًا لك فيها، ولا ينافي هذا ما تقدّم في رواية أحمد: "أسألك أن تشفع لي إلى ربك، فيعتقني من النار"؛ لأن أحدهما يستلزم الآخر؛ لأنه إذا أعتق من النار، دخل الجنّة، وإذا دخل الجنّة، فقد رافقه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، ويَحْتمل أن يكون المراد بالمرافقة مرافقةً خاصّة، بأن يكون قريبًا من درجته، وهذا أيضًا لا ينافي ما ذُكر، واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ ") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَوَ" بفتح الواو.


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ٢٩٧.