للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انتهى (١). وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: رويناه بإسكان الواو من "أو"، ونصب "غير". انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: إن تعيّنت الرواية بأحد الوجهين، فلا ينبغي العدول عنها، وإلا فالكلام محتمل للوجهين؛ إذ يَحْتَمِل أن تكون الهمزة للاستفهام، دخلت على واو العطف، و"غيرَ" مفعول لفعل مقدّر، أي أتسأل غير ذلك، من أمور الدنيا، كالغنى ونحوه.

ويَحْتَمِلُ أن تكون "أَوْ" بسكون الواو للإضراب، بمعنى "بل"، أي بل أسأل غير ذلك من الحوائج، واللَّه تعالى أعلم.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أو غير ذلك" قيل: لعله -صلى اللَّه عليه وسلم- فَهِم منه المساواة معه في درجته، وذلك مما لا ينبغي لغيره، فلذلك قال له: "أو غير ذلك"، أي سل غير هذا، فلما قال له الرجل: "هو ذاك" قال له: "فأعنّي على نفسك إلخ"؛ ليزداد من القرب، ورفعة الدرجات حتى يقرب من منزلته، وإن لم يساوه فيها، فإن السجود معرج القُرَب، ومدار رفعة الدرجات، قال اللَّه تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩]، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث ثوبان -رضي اللَّه عنه- الماضي: "لا تسجد للَّه سجدةً إلا رفعك اللَّه بها درجةً"، ولأن السجود غاية التواضع للَّه، والعبوديّة له؛ إذ فيه تمكين أعزّ عضو الإنسان، وأرفعه، وهو وجهه من أدنى الأشياء، وهو التراب، والأرض المدوسة بالأرجل والنعال. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أو غير ذلك" رويناه بإسكان الواو من "أو"، ونصب "غيرَ"، أي أو سل غير ذلك، كأنه حضّه على سؤال شيء آخر غير مرافقته؛ لأنه فَهِمَ منه أن يطلُب المساواةَ معه في درجته، وذلك مما لا ينبغي لغيره، فلما قال الرجل: "هو ذاك"، قال له: "أعنّي على نفسك بكثرة السجود"، أي الصلاة؛ ليزداد من القرب، ورفعة الدرجات حتى يقرُب من منزلته، وإن لم يساوه فيها.

قال: ولا يُعترض هذا بقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما رواه حُذيفة -رضي اللَّه عنه- ليلة


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ٢٠٦.
(٢) "المفهم" ٢/ ٩٣.
(٣) راجع: "إكمال العلم" ٢/ ٤٠٣.