وقال ابن دقيق العيد: قيل: معناه أنهما جُعِلا كعضو واحد، وإلا لكانت الأعضاء ثمانيةً، قال: وفيه نظرٌ؛ لأنه يلزم منه أن يُكْتَفَى بالسجود على الأنف، كما يُكْتَفى بالسجود على بعض الجبهة، وقد احتُجَّ بهذا لأبي حنيفة في الاكتفاء بالسجود على الأنف، قال: والحقّ أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة، وإن أمكن أن يُعْتَقد أنهما كعضو واحد، فذاك في التسمية والعبارة، لا في الحكم الذي دلّ عليه الأمر.
وأيضًا فإن الإشارة قد لا تُعَيِّن المشار إليه، فإنها إنما تتعلق بالجبهة لأجل العبادة، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعين المشار إليه يقينًا، وأما العبارة فإنها معيّنة لما وضعت له فتقديمه أولى. انتهى.
وما ذكره من جواز الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشافعية، وكأنه أُخِذ من قول الشافعيّ في "الأم": إن الاقتصار على بعض الجبهة يُكْرَه، وقد ألزمهم بعض الحنفية بما تقدم.
ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده.
وذهب الجمهور إلى أنه يجزئ على الجبهة وحدها، وعن الأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، وابن حبيب من المالكية وغيرهم: يجب أن يَجْمَعهما، وهو قول للشافعي أيضًا. انتهى (١).
وقال ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أقلّ السجود مباشرة بعض جبهته مصلاه مع الطمأنينة، والتحامل على موضع سجوده، وارتفاع الأسافل على الأعالي، وإذا أوجبنا وضع الركبتين والقدمين لم يجب كشفهما قطعًا، بل يكره كشف الركبتين كما نصّ عليه في "الأمّ"، وإذا أوجبنا وضع الكفّين لم يجب كشفهما أيضًا على أظهر القولين، وهو ظاهر الحديث، فإنه دالّ على الوضع فقط، والزائد هل يُجعل علّة للإجزاء، أو جزء علّة؟ فيه نظر، والخلاف متردّد بين الجبهة، فيجب كشفها قطعًا، وبين الركبتين والقدمين فلا يجب قطعًا. انتهى.