٢ - (ومنها): أن ظاهر الحديث دالّ على وجوب السجود على هذه الأعضاء، وهو الحقّ، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى-.
٣ - (ومنها): بيان النهي عن كفّ الشعر والثوب للصلاة، والحكمة في ذلك أن كفّهما يُشبه فعل المتكبّر، فينافي معنى السجود، وهو التواضع للَّه عزّ وجلّ بجميع أعضاء المصلّي، وما يتّصل به.
ثم إن هذا النهي عن كفّ الثوب في الصلاة محمول على غير حالة الاضطرار، فإن من ضمّ إليه ثوبه إذا خاف تكشّف عورته لا يدخل تحت هذا النهي، بل هو من فعل الواجبات، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): بيان أن أمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونهيه يعمّ أمته إلا فيما خُصّ به.
٥ - (ومنها): ما قاله الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد يُسْتَدُّل بهذا على أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء، فإن مسمى السجود يحصل بالوضع، فمن وضعها فقد أتى بما أُمر به، فوجب أن يَخْرُج عن العهدة، وهذا يلتفت إلى بحث أصوليّ، وهو أن الإجزاء في مثل هذا، هل هو راجع إلى اللفظ، أم إلى أن الأصل عدم وجوب الزائد على الملفوظ به، مضمومًا إلى فعل المأمور به؟.
وحاصله أن فعل المأمور به هل هو عِلّة الإجزاء، أو جزء علّة الإجزاء، ولم يُخْتَلَف في أن كشف الركبتين غير واجب، وكذلك القدمان، أما الأول فلما يُحْذَر فيه من كشف العورة، وأما الثاني، وهو عدم كشف القدمين، فعليه دليل لطيفٌ جدًّا؛ لأن الشارع وَقَّت المسح على الخفّ بمدة تقع فيها الصلاة مع الخفّ، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفين، وانتقضت الطهارة، وبطلت الصلاة، وهذا باطل.
ومن نازع في انتقاض الطهارة بنزع الخفّ، فَيُرَدّ عليه بحديث صفوان الذي فيه:"أُمِرنا أن لا نَنْزِع خفافنا. . . " إلى آخره (١).
(١) انتقاض الطهارة بنزع الخفّ تقدّم الكلام عليه في محلّه، وأن الأرجح عدم الانتقاض، وللصنعاني في "حاشيته" في هذا المحلّ (٢/ ٣١٣ - ٣١٤) اعتراض على القول بالانتقاض، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.