للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فنقول: لو وجب كشف القدمين لناقضه إباحة عدم النزع في هذه المدّة التي دلّ عليها لفظة "أُمِرنا" المحمولة على الإباحة.

وأما اليدان فللشافعيّ تردد قول في وجوب كشفهما. انتهى كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد حقّق الإمام ابن دقيق العيد: هذه المسألة، وأجاد فيها.

وحاصل ما دلّ عليه تحقيقه أنه لا يجب كشف أعضاء السجود: الجبهةِ، أو غيرها، كما دلّ عليه ظاهر حديث الباب، ولا نصّ يخالفه ويدلّ على الوجوب.

والحاصل أن المصلّي مأمور بوضع هذه الأعضاء، سواء كانت مكشوفة، أو غير مكشوفة، فإذا تحقّق وضعه لها، فقد أدّى ما وجب عليه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم السجود على الأعضاء السبعة:

قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهر الحديث يدلّ على وجوب السجود على هذه الأعضاء؛ لأن الأمر للوجوب، والواجب عند الشافعيّ منها الجبهة، لم يتردد قوله فيه، واختَلَفَ قوله في اليدين والركبتين والقدمين، وهذا الحديث يدلّ للوجوب، وقد رَجّح بعض أصحابه عدم الوجوب، ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قويّ أقوى من دلالته، فإنه استَدَلّ لعدم الوجوب بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث رفاعة -رضي اللَّه عنه- (١): "ثم يسجدُ، فَيُمَكِّن جبهته"، وهذا غايته أن تكون دلالته دلالة مفهوم، وهو مفهوم لقب، أو غاية (٢)، والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه، وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم، كما مرَّ لنا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، مع قوله: "جُعلت لنا الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا"، فإنه ثَمَّ يُعْمَل بذلك


(١) أراد حديث رفاعة -رضي اللَّه عنه- في حديث المسيء صلاته، وقد تقدّم في بابه.
(٢) وللصنعانيّ كلام على المراد بالغاية، فراجعه (٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨).