العموم من وجه إذا قدّمنا دلالة المفهوم، وها هنا إذا قدّمنا دلالة المفهوم أسقطنا الدليل الدالّ على وجوب السجود على هذه الأعضاء، أعني اليدين، والركبتين، والقدمين، مع تناول اللفظ لها بخصوصها.
وأضعف مِن هذا ما استُدلّ به على عدم الوجوب، من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سجد وجهي للذي خلقه"، قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه، فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه.
وأضعف مِن هذا الاستدلالُ على عدم الوجوب بأن مسمَّى السجود يَحصل بوضع الجبهة، فإن هذا الحديث يدلّ على إثبات زيادة على المسمَّى، فلا تُترك.
وأضعف من هذا المعارضة بقياس شَبَهيّ، ليس بقويّ، مثل أن يقال: أعضاءٌ لا يجب كشفها فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء، سوى الجبهة.
وقد رَجَّح المحامليّ من أصحاب الشافعيّ القول بالوجوب، وهو أحسن عندنا من قول من رَجَّح عدم الوجوب.
وذهب أبو حنيفة إلى أن مَن سجد على الأنف وحده كفاه، وهو قول في مذهب مالك وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الواجب السجود على الجبهة والأنف معًا، وهو قول في مذهب مالك أيضًا، ويُحْتَجّ لهذا المذهب بحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- هذا، فإن في بعض طرقه:"الجبهة والأنف معًا"، وفى هذه الطريق التى ذكرها المصنف -يعني صاحب "العمدة"-: "الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه".
فقيل: معنى ذلك أنهما جُعِلا كالعضو الواحد، ويكون الأنف كالتبع للجبهة.
واستُدِلّ على هذا بوجهين:
أحدهما: أنه لو كان كعضو منفرد عن الجبهة حكمًا، لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها ثمانيةً، لا سبعةً، فلا يطابق العدد المذكور في أول الحديث.
الثاني: أنه قد اختَلَفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف، فإذا جُعلا كعضو واحد، أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، فتطابق الإشارة