للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن عجلان أحد رواته: وذلك أن يَضَعَ مرفقيه على ركبتيه، إذا طال السجود وأعيا.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: استدلال الحافظ بهذا الحديث على الاستحباب، وأنه يصرف الوجوب المستفاد من أحاديث الباب، فيه نظر لا يخفى؛ لأن الحديث متكلّم فيه، والصحيح إرساله، كما قال البخاريّ، والترمذيّ، وأبو حاتم، والدارقطنيّ، وغيرهم (١)، وعلى تقدير صحّته، فهو مقيّد بالمشقّة، والمشقّة تقدّر بقدرها، فمن لا يشقّ عليه، لا يُرخّص له في ترك التفريج، فالحقّ أن التفريج المذكور واجب، كما دلّت عليه أحاديث الباب، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

ثم رأيت للصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعقّبًا جيّدًا لكلام الحافظ هذا، حيث قال: وقد يُجاب عنه بأن ما استَدَلّ به على الاستحباب أدلّ منه على الوجوب، فإن الترخيص فرع العزيمة، وهو مخصوص بحالة المشقّة، فلا بُدّ من مسلك صحيح، يعمّ الحكم به جميع الأحوال، على أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استعينوا بالرُّكَبِ" أظهر في تكميل الواجب، وعدم الترخيص فيه. انتهى كلام الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: تعقّب الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا وجيهٌ، فدلالة هذه الأحاديث على الوجوب ظاهرة، لا يعارضها حديث: "استعينوا بالرُّكَب"، بل هو مؤيِّد لها؛ إذ دلالته على الوجوب أظهر من دلالته على الاستحباب، ولو سُلّم، فهو لمن تضرّر فقط.

هذا كلّه على سبيل التنزّل، وإلا فالحديث لا يصلح لمعارضة هذه الأحاديث الصحيحة الكثيرة؛ لأن الصحيح أنه مرسل، والمرسل غير صحيح عند المحدّثين؛ للانقطاع، وعند من يحتجّ به إذا اعتضد يُشْتَرط أن لا يعارضه


(١) راجع: "التاريخ الكبير" ٤/ ٢٠٣، و"الصغير" ٢/ ١٨ - ١٩، و"جامع الترمذيّ" (٢٨٦)، و"علل ابن أبي حاتم" ١/ ١٩٠، و"علل الدارقطنيّ" ١٠/ ٨٥، والبيهقيّ في "السنن الكبرى" ٢/ ١١٧.
(٢) "العدّة حاشية العمدة" ٢/ ٣٤٣.