للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلَمْ يُصَوِّبْهُ) أي لم يُنكِّسه، من التصويب، وهو الإنزال من أعلى إلى أسفل، ومنه الصيِّب للمطر، يقال: صاب يصوب: إذا نزل، أي لم يخفضه خفضًا بليغًا، بل يعتدل فيه بين الخفض والتصويب، وهو التسوية، كما أشار إليه بقوله: (وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ) أي بين المذكور من الإشخاص والتصويب، بحيث يستوي ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "بين" وإن كان من حقّه أن يضاف إلى شيئين فصاعدًا، إلا أن "ذلك" لَمّا كان بمعنى شيئين من حيث إنه وقع مشارًا به إلى مصدر الفعلين المذكورين، حَسُنَ إضافته إليه. انتهى (١).

وقال القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: كأن وجه الاستدراك بها -يعني قوله: "ولكن إلخ"- أن نفي ذينك لا يقتضي البينيّة الآتية، بل ربّما اقتضى خلافها، فبيّن أن المراد أنه كان إذا ركع يكون ركوعه بين ذلك. انتهى (٢).

(وَكَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، لَمْ يَسْجُدْ) أي لم ينزل إلى السجود (حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا) أي حتى يعتدل في قيامه (وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ) أي الأولى (لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ على وجوب الاعتدال، وتعقّبه القاري، فقال: يَحتمل الحملَ على وجه الكمال، فلا يتمّ به الاستدلال، وحديث البخاريّ: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي" لا يدلّ على فرضيّة جميع أفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنّ بعض أفعاله وأقواله سنة إجماعًا انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: تعقّب القاري غير سديد، فالحقّ وجوب الاعتدال في الجلوس، كالاعتدال في القيام من الركوع، وليس الاستدلال بحديث البخاريّ فقط، بل مع ما ينضمّ إليه مما يُثبت الوجوب، ومنه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث المسيء صلاته: "ثم اجلس حتى تطمئنّ جالسًا"، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود بإسناده بهذا اللفظ، والأمر للوجوب، فتنبّه لهذه الدقائق، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٩٧٩.
(٢) "المرقاة" ٢/ ٤٩٩.
(٣) "المرقاة" ٢/ ٤٩٩.