للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتنبّه لذلك، وهذا البيان قد سبق تحقيقه في شرح حديث المسيء صلاته مستوفًى، فارجع إليه تستفد علمًا جمًّا.

٨ - (ومنها): أن قولها: "وكان يَفْرُش رجله اليسرى، ويَنْصِب رجله اليمنى" معناه: يجلس مفترشًا، وفيه حجة لأبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ومن وافقه أن الجلوس في الصلاة يكون مفترشًا، سواء فيه جميع الجلسات، وعند مالك: يُسَنّ متوركًا، بأن يُخْرِج رجله اليسرى من تحته، ويُفضِي بوَرِكِه إلى الأرض، وقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشًا، إلا التي يَعْقُبها السلام، والجلسات عند الشافعي: أربع: الجلوس بين السجدتين، وجِلْسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير، فالجميع يُسَنُّ مفترشًا، إلا الأخيرة، فلو كان مسبوقًا، وجلس إمامه في آخر صلاته متوركًا جلس المسبوق مفترشًا؛ لأن جلوسه لا يعقبه سلام، ولو كان على المصلي سجود سهو فالأصحّ أنه يجلس مفترشًا في التشهد، فإذا سجد سجدتي السهو تَوَرَّك، ثم سلَّم. هذا تفصيل مذهب الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

واحتج أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- بإطلاق حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- هذا، واحتج الشافعي: بحديث أبي حميد الساعديّ في "صحيح" البخاريّ، وفيه التصريح بالافتراش في الجلوس الأول، والتورك في آخر الصلاة، وحَمَلَ حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- هذا على الجلوس في غير التشهد الأخير؛ للجمع بين الأحاديث، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: جمع الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في هذا حسنٌ، وأحسن منه جمع الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو أن جلسات الصلاة كلّها بالافتراش، إلا الصلاة التي فيها جلستان، فالأولى تكون بالافتراش، والثانية بالتورّك، وإنما رجّحت هذا؛ لأن حديث أبي حميد الساعديّ -رضي اللَّه عنه- إنما جاء هكذا، فقد أخرج البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حديثه في "صحيحه" عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرنا صلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أبو حميد الساعديّ: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهره (١)، فإذا رفع


(١) ثنَاه، وأماله.