للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المؤوّل بدل من "أحدًا" بدل اشتمال، أي مُرُورَه، كما تقول: أعجبني زيدٌ علمه (بَيْنَ يَدَيْهِ) متعلّق بـ "يمرّ"، أي أمامه، والمراد بينه وبين السترة، وأما ما وراء السترة فليس محلّ دفعه؛ لأن المرور فيه جائزٌ، كما سبق في حديث طلحة -رضي اللَّه عنه-: "ولا يبالي مَن مرّ وراء ذلك" (وَلْيَدْرَأْهُ) أي ليدفع، وهو مضارع درأ، يقال: درأت الشيءَ بالهمز دَرْءًا، من باب نفع: دَفَعتُهُ، ودارأته: دافعته، وتدارءوا: تدافعوا (١)، والمعنى: أن المصلّي يدفع من أراد المرور بينه وبين سترته (مَا اسْتَطَاعَ) "ما" مصدريّة ظرفيّةٌ، أي مدّة استطاعته.

ثم إن ظاهر هذا الأمر وجوب الدفع، وبه قال أهل الظاهر، وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأمر بالدفع أمر ندب متأكّد، ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه، بل صرّح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب. انتهى (٢).

قال في "الفتح": فكأنه لم يُراجع كلام أهل الظاهر، أو لم يعتدّ بخلافهم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا عجيب، كيف لا يعتدّ بمن كان ظاهر النصّ معه، وهل هناك نصّ آخر يصرف الأمر عن الوجوب؟ فأين هو؟ هيهات.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اتّفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليردّه، وإنما يدفعه، ويردّه من موقفه؛ لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه، ولهذا أُمر بالقرب من سُترته، وإنما يردّه إذا كان بعيدًا منه بالإشارة، أو التسبيح. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: تقييده الدفع بموقفه فقط محلّ نظر، فأين الدليل على ذلك؟، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنْ أَبَى) أي امتنع المارّ عن الرجوع، يقال: أبى الرجل يأبى إباءً -بالكسر والمدّ- وإباءةً: امتنع، فهو آبٍ، وأَبِيٌّ، على فاعل، وفَعِيلٍ، وتأبَّى مثله، وبناؤه شاذٌّ؛ لأن فَعَلَ يَفْعَلُ -بفتحتين- يكون حلقيَّ العين، أو اللام،


(١) راجع: "المصباح المنير" ١/ ١٩٤.
(٢) "شرح النووي" ٤/ ٢٢٣.
(٣) "الفتح" ١/ ٦٩٥.