وحَكَى ابن سِيدَهْ عن قومٍ: أَبِيَ يَأْبَى، كنَسِيَ يَنْسَى، وحَكَى ابن جني، وصاحب "القاموس": أَبَى يَأْبِي، كضَرَبَ يَضْرِبُ.
(فَلْيُقَاتِلْهُ) وفي رواية أبي صالح الآتية: "فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله"، أي يدفع بيده في نحره، فإن لم يندفع بذلك، فليدفعه، ولو بما أَدَّى إلى قتله.
وأخرج عبد الرزّاق، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال:"لا تَدَعْ أحدًا يمرّ بين يديك، وأنت تصلّي، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله".
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فليدفعه" أي بالإشارة، ولطيف المنع، وقوله:"فليقاتله" أي يزيد في دفعه الثاني أشدّ من الأول، قال: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح؛ لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة، والاشتغال بها، والخشوع فيها. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ: مخالف للحديث، فإن رواية المصنّف بلفظ:"فليدفع في نحره" صريحة، أو كالصريح في الدفع باليد، لا بالإشارة، وأصرح منها رواية الإسماعيليّ، ولفظه:"فإن أبى، فليجعل يده في صدره، ويدفعه"، وأما دعواه مخالفة الإقبال على الصلاة والخشوع، فليست مسلّمةً؛ لأن من أمر بالخشوع في الصلاة هو الذي شرع المقاتلة فيها، فلا تنافي، ولا تعارض؛ إذ كلّ من عند اللَّه تعالى، فتبصّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال في "الفتح": وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله حقيقةً، واستَبْعَد ابن العربيّ ذلك في "القبس"، وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة.
وأغرب الباجيّ، فقال: يَحْتَمِل أن يكون المراد بالمقاتلة اللعن، أو التعنيف.
وتُعُقّب بأنه يستلزم التكلم في الصلاة، وهو مبطل، بخلاف الفعل اليسير.
ويمكن أن يكون أراد أنه يلعنه داعيًا لا مخاطبًا، لكن فعل الصحابيّ يخالفه، وهو أدرى بالمراد.