للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد رواه الإسماعيلي بلفظ: "فإن أبَى فليجعل يده في صدره ويدفعه"، وهو صريح في الدفع باليد.

ونَقَلَ البيهقيّ عن الشافعيّ أن المراد بالمقاتلة دفعٌ أشدُّ من الدفع الأول.

قال: وقال أصحابنا -يعني الشافعيّة-: يردُّه بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشدَّ، ولو أدَّى إلى قتله، فلو قتل فلا شيء عليه؛ لأن الشارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها.

ونَقَل عياض وغيره أن عندهم خلافًا في وجوب الدية في هذه الحالة.

ونَقَل ابن بطال وغيره الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه، ولا العمل الكثير في مدافعته؛ لأن ذلك أشدّ في الصلاة من المرور.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد علمت ما في هذا عند تعقّب كلام القرطبيّ، فلا تكن من الغافلين.

قال: وذهب الجمهور إلى أنه إذا مَرّ، ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يردّه؛ لأن فيه إعادةً للمرور.

ورَوَى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وغيره أن له ذلك، ويمكن حمله على ما إذا ردَّه، فامتنع وتمادى، لا حيث يُقَصِّر المصلي في الردّ. انتهى (١).

وقال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد اختلف أهل العلم في ردّ المصلّي من مرّ بين يديه من حيث جاء، فرخّص قوم في ردّه إذا مرّ، روي هذا القول عن عبد اللَّه بن مسعود، وكذلك فعله سالمٌ، ورُوي عن الحسن البصريّ.

وقال آخرون: لا يردّه بعد أن جاز، كذلك قال الشعبيّ والثوريّ وإسحاق ابن راهويه، وكذلك نقول؛ لأن رجوعه من حيث جاء يكون مرورًا ثانيًا بين يدي المصلّي، وليس لذلك وجهٌ. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن القول الثاني هو الأرجح، كما رجحه ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وذكر حجته، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ") الفاء تعليليّة؛ لأن ذلك المارّ الآبي عن الرجوع شيطان، وفي حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- الآتي: "فإن معه القرين"، أي الشيطان.


(١) "الفتح" ١/ ٦٩٥.
(٢) "الأوسط" ٥/ ٩٥ - ٩٦.