قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: معناه: فإنما حمله على مروره، وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل: معناه يَفْعَل فِعْلَ الشيطان؛ لأن معنى الشيطان البعيد من الخير، وقبولِ السنة، من قولهم: ومنه سُمّي الشيطان؛ لبعده عن رحمة اللَّه تعالى، فسمّاه شيطانًا؛ لاتّصافه بوصفه، كما يقال: فلان الأسد، أي يبطش ويَقْوَى كبطشة الأسد وقوّته، وقيل: المراد بالشيطان هنا قرين الإنسان اللازم له، كما قال في الرواية الأخرى:"فإن معه القرين"، ويكون هذا من معنى قوله في الحديث الآخر:"فإن الشيطان يحول بينكم وبينها"، فيكون على هذا يمنع الإنسان الجواز بين يدي المصلّي من أجل الشيطان اللازم له؛ لكونه خبيثًا نجسًا، ويكون اللَّه تعالى يمنعه من التسلّط على المشي أمام المصلّي، وقطع صلاته إذا اجتهد العبد في الدنُوّ من قبلته، وامتثل ما أُمر به، ولم يجعل له سبيلًا إليه، بخلافه إذا لم يدْنُ من السترة. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١). واللَّه أعلم.
وقال في "الفتح": قوله: "فإنما هو شيطان" أي فعله فعلُ الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلي، وإطلاق الشيطان على المارد من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قوله تعالى:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: ١١٢]، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٩/ ١١٣٣ و ١١٣٤](٥٠٥)، و (البخاريّ) في "الصلاة"(٥٠٩) و"بدء الخلق"(٣٢٧٤)، و (أبو داود) في "الصلاة"(٦٩٧ و ٦٩٨ و ٧٠٠)، و (النسائيّ) فيها (٢/ ٦٦)، و (ابن ماجه) فيها (٩٥٤)، و (مالك) في "الموطّأ"(١/ ١٥٤)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(١/ ٢٧٩ و ٢٨٣)،