قال الجامع عفا اللَّه عنه: الوجه الذي ذكره الكرمانيّ أوّلًا هو المعتمد، فهذا العدد ونحوه مما لا ينبغي أن يوكل وجه حكمته إلى الشارع الحكيم، وأما الوجه الثاني، فإنه تكلّف ظاهر، تردّه رواية المائة، ففي رواية ابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "لكان أن يقف مائة عام خيرًا له من الخطوة التي خطاها".
وأما ما ذكره العينيّ في وجه الحكمة للمائة أيضًا فمن التكلّف الظاهر، ومثل هذا من فضول الكلام، فينبغي عدم الخوض فيه، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الحافظ بعد ذكر رواية المائة ما نصّه: وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معيَّن.
وَجَنح الطحاويّ إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين؛ زيادةً في تعظيم الأمر على المار؛ لأنهما لم يقعا معًا؛ إذ المائة أكثر من الأربعين، والمقام مقام زجر وتخويف، فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر، ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثَبَتَ الْمُدَّعَى، وأما دونها فمن باب أولى.
وقد وقع في "مسند البزار" من طريق ابن عيينة التي ذكرها ابن القطان: "لكان أن يقف أربعين خريفًا"، أخرجه عن أحمد بن عَبْدة الضبيّ، عن ابن عيينة.
وقد جعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة، والشك في طريق غيره دالّا على التعدد.
لكن رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وغيرهم من الحفاظ، عن ابن عيينة، عن أبي النضر على الشك أيضًا، وزاد فيه:"أو ساعةً"، فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعَا معًا من راو واحد في حالة واحدة، إلا أن يقال: لعله تذكر في الحال، فجزم، وفيه ما فيه. انتهى (١).
وقوله:(خَيْرًا لَهُ) خبر "كان"، واسمها قوله:"أن يقف" في تأويل المصدر، أي لكان وقوفه أربعين خيرًا له، ووقع في بعض النسخ "خيرٌ له"