قال الحافظ: والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعَى؛ لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي، لا عن المارّ فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الحافظ فيه نظرٌ؛ لأن التعليل بالتشويش ليس منصوصًا عليه حتى يُعتمد، بل الأقرب تعليله بأنه يقطع المناجاة بين المصلي وبين ربّه، فما قاله بعض المالكيّة هو الأرجح، كما لا يخفى على من تأمله.
وأيضًا فقد تقدّم مرور ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- بين يدي بعض المأمومين، ولم يُنكر ذلك عليه، فدلّ على كون حكم المأموم غير حكم الإمام والمنفرد، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
٧ - (ومنها): أن العلامة ابن دقيق العيد: ذكر أن بعض الفقهاء المالكية قَسَمَ أحوال المارّ والمصلي في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام: يأثم المارّ دون المصلي، وعكسه، ويأثمان جميعًا، وعكسه.
فالصورة الأولى: أن يصلي إلى سُترة في غير مَشْرَع، وللمارّ مندوحة، فيأثم المارّ دون المصلي.
الثانية: أن يصلي في مَشْرَع مسلوك بغير سترة، أو متباعدًا عن السترة، ولا يجد المارّ مندوحة، فيأثم المصلي دون المارّ.
الثالثة: مثل الثانية، لكن يجد المارّ مندوحةً فيأثمان جميعًا.
الرابعة: مثل الأولى، لكن لم يجد المارّ مندوحةً، فلا يأثمان جميعًا. انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وظاهر الحديث يدلّ على منع المرور مطلقًا، ولو لم يجد مسلكًا، بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته، ويؤيِّده قصة أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- السابقة، فإن فيها:"فنظر الشابّ، فلم يجد مَسَاغًا".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الحافظ من أن ما دلّ عليه الحديث من عموم النهي لجميع الصور هو الحقّ؛ لظهور حجّته، لكن إذا كانت هناك ضرورة لا بدّ منها، فيكون من باب الاضطرار، وقد قال اللَّه تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩] الآية، فليُتنبّه لذلك، واللَّه تعالى أعلم.