٤ - (ومنها): أن فيه التحديث، والعنعنة، وكلاهما من صيغ الاتّصال، على الراجح في "عن" من غير المدلّس بالشرط الذي سبق بيانه في شرح المقدّمة، وهو أن يكون الْمُعَنْعِنُ لقي المعنعن عنه، وسمع منه على القول الذي رجحته هناك، أو عاصره مع إمكان اللقيّ على ما هو مذهب المصنّف، وقد استوفيت تحقيق ذلك في محلّه، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
٥ - (ومنها): أن فيه ثلاثةً من التابعين يروي بعضهم عن بعض: كهمس، عن عبد الله بن بُريدة، عن يحيى بن يعمر.
٦ - (ومنها): أن جملةَ من اسمه كَهْمَس في الكتب الستّة اثنان فقط، هذا عند الجماعة، وكهمس بن المنهال السدوسيّ البصريّ اللؤلؤيّ صدوقٌ رُمي بالقدر من الطبقة التاسعة، عند البخاريّ فقط.
٧ - (ومنها): أن فيه رواية صحابيّ عن صحابيٍّ، والابن عن أبيه: عبد بن عمر عن أبيه له.
٨ - (ومنها): أن كهمسًا، وابن بُريدة، ويحيى بن يعمر هذا أول محلّ ذكرهم من هذا الكتاب، وجملة ما رواه المصنّف لكهمس تسعة أحاديث فقط، ولابن بُريدة (١٨) حديثًا، وليحيى ثمانية أحاديث فقط، وقد ذكرتها آنفًا.
٩ - (ومنها): أن الإمام مسلمًا - رَحِمَهُ اللهُ - سلك في هذا الكتاب طريقةً في الإتقان، والاحتياط، والتدقيق، والتحقيق، مع الاختصار البليغ، والإيجاز التامّ، في نهايةٍ من الحسن، مُصَرِّحةٍ بغزارة علومه، ودقة نظره وحذقه، وذلك يظهر في الإسناد تارةً، وفي المتن تارةً، وفيهما تارةً، فينبغي للناظر في كتابه أن ينتبه لهذا، فإنه يجد عجائب من النفائس والدقائق، تَقَرُّ بآحاد أفرادها عينه، وينشرح لها صدره، وتُنَشِّطه للاشتغال بهذا العلم.
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكره ما سبق: ولا يُعْرَف أحدٌ شارك مسلمًا في هذه النفائس التي يشير إليها، من دقائق علم الإسناد، وكتاب البخاريّ وإن كان أصحّ وأجلّ، وأكثر فوائدَ في الإحكام والمعاني، فكتاب مسلم يَمتاز بزوائدَ من صَنْعَة الإسناد، وسترى مما أنبه عليه من ذلك ما يَنشرح له صدرك، ويزداد به