الكتاب، ومصنِّفُهُ في قلبك جلالةً - إن شاء الله تعالى -، انتهى (١).
قال: فإذا تقرر ما قلته، ففي هذه الأحرف التي ذكرها من الإسناد أنواع مما ذكرته.
فمن ذلك أنه قال أوّلًا:"حدثني أبو خيثمة"، ثم قال في الطريق الآخر:"وحدثنا عبيد الله بن معاذ"، ففرّق بين "حدثني"، و"حدثنا"، وهذا تنبيه على القاعدة المعروفة عند أهل الصَّنْعَة، وهي أنه يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ:"حدثني"، وفيما سمعه مع كيره من لفظ الشيخ:"حدثنا"، وفيما قرأه وحده على الشيخ:"أخبرني"، وفيما قرئ بحضرته في جماعة على الشيخ:"أخبرنا"، وهذا اصطلاح معروف عندهم، وهو مستحب عندهم، ولو تركه، وأبدل حرفًا من ذلك بآخر صَحّ السماع، ولكن ترك الأَولى. والله أعلم.
وإلى هذا أشار السيوطيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "ألفيّة المصطلح" بقوله:
١٠ - (ومنها): قوله: في الطريق الأول: "حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بُريدة، عن يحيى بن يعمر"، ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية "عن كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى"، فقد يقال: هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم، واختصاره، فكان ينبغي له أن يَقِفَ بالطريق الأول على وكيع، ويجتمعُ معاذ ووكيعٌ في الرواية عن كهمس، عن ابن بريدة.
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ -: وهذا الاعتراض فاسد، لا يَصْدُر إلَّا من شديد الجهالة بهذا الفن، فإن مسلمًا - رَحِمَهُ اللهُ - يسلك الاختصار، لكن بحيث لا يَحصُل فيه خلل، ولا يفوت به مقصود، وهذا الموضع يحصل في الاختصار فيه خلل، ويفوت به مقصود.
وذلك لأن وكيعًا قال:"عن كهمس"، ومعاذًا قال:"حدثنا كهمس"، وقد عُلِم بما قدمناه في "باب المعنعن" أن العلماء اختلفوا في الاحتجاج بالمعنعن،