للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أمامه، دَلّ ذلك على نسخ الحكم في المضطجع، وفي الباقي بالقياس عليه.

قال: وهذا يتوقف على إثبات المساواة بين الأمور المذكورة، وقد تقدم ما فيه، فلو ثبت أن حديثها متأخِّر عن حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- لم يدلّ إلا على نسخ الاضطجاع فقط.

وقد نازع بعضهم في الاستدلال به مع ذلك من أوجه أخرى:

[أحدها]: أن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: إن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح، فانتفى المعلول بانتفاء علته.

[ثانيها]: أن المرأة في حديث أبي ذرّ مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فقد يُحْمَل المطلق على المقيد، ويقال: يتقيد القطع بالأجنبية؛ لخشية الافتتان بها، بخلاف الزوجة، فإنها حاصلة.

[ثالثها]: أن حديث عائشة واقعة حال يَتَطَرَّق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذرّ، فإنه مسوق مساق التشريع العامّ.

وقد أشار ابن بطال: إلى أن ذلك كان من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه كان يقدر من ملك أَرَبه على ما لا يقدر عليه غيره.

وقال بعض الحنابلة: يعارض حديث أبي ذرّ وما وافقه أحاديثُ صحيحة غير صريحة، وصريحة غير صحيحة، فلا يُتْرَك العمل بحديث أبي ذرّ الصريح بالمحتمل، يعني حديث عائشة وما وافقه.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله بعض الحنابلة هو الحقّ والصواب، فالعمل بحديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- متعيّنٌ؛ لكونه صحيحًا صريحًا لا يقبل التأويل، وأما الأحاديث المعارضة له، فلا تصحّ، وما صحّ منها كحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- فيقبل التأويل، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

قال: والفرق بين المارّ وبين النائم في القبلة أن المرور حرامٌ، بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها. انتهى (١).

وقال صاحب "المرعاة": ومن وجوه المناعة أيضًا ما قيل: إنه يُحمل


(١) "الفتح" ١/ ٧٠٢.