للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والفعل؛ للتأكيد، وكُرّرت "لا" للتأكيد أيضًا (إِلَّا إِلَى اللَّهِ) أي إلا من اللَّه، فـ "إلى" بمعنى "من"، على حد قول الشاعر [من الطويل]:

تَقُولُ وَقَدْ عَالَيْتُ بِالْكُورِ فَوْقَهَا … ايُسْقَى فَلَا يَرْوَى إِلَيَّ ابْنُ أَحْمَرَا

أي تقول الناقة بلسان الحال ذلك، و"الْكُور": الرحل، و"السقيُ" بمعنى الركوب مجازًا، و"إليّ" بمعنى "منّي" (١).

وقال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ما حاصله: لا نطلُب ثمن المصروف في سبيل اللَّه إلا من اللَّه، وأطلق الثمن على سبيل المشاكلة، ثم قال: فإن قلت: الطلب يُستعمل بـ "مِنْ"، فالقياس أن يقال: إلا من اللَّه، قلت: معناه: لا نطلُب الثمن من أحد، لكنه مصروف إلى اللَّه تعالى.

وتعقّبه العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بأن هذا تعسّف مع تطويل، بل معناه: لا نطلب الثمن إلا من اللَّه تعالى، وكذا وقع عند الإسماعيليّ: "لا نطلب ثمنه إلا من اللَّه"، وقد جاء "إلى" في كلام العرب للابتداء، كقوله:

إِلَيَّ ابْنُ حْمَرَا

ويجوز أن تكون "إلى" ههنا على معناها لانتهاء الغاية، ويكون التقدير: نُنْهِي طلب الثمن إلى اللَّه تعالى، كما في قولهم: "أَحمَدُ إليك اللَّه"، والمعنى: "أُنْهِي حمده إليك"، والمعنى لا نطلب منك الثمن، بل نتبرع به، ونطلب الثمن أي الأجر من اللَّه تعالى. انتهى (٢).

[تنبيه]: ظاهر هذه الرواية يدلّ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يشتره منهم، ولم يأخذوا منه ثمنًا، لكن وقع في "صحيح البخاريّ" في "الهجرة" ما ظاهره مخالف له، ففيه: قال: "ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس، حتى بركت عند مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مِرْبَدًا للتمر، لسُهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زُرارة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين بركت راحلته: هذا -إن شاء اللَّه- المنزل.

ثم دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الغلامين، فساومهما بالْمِرْبد؛ ليتخذه مسجدًا،


(١) راجع: "مغني اللبيب" ١/ ٧٠ - ٧١ بنسخة "حاشية الأمير".
(٢) "عمدة القاري" ٤/ ٢٦١.