للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقالا: لا بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقبله منهما هبةً حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا. . . " الحديث.

فهذه الرواية تدلّ على أنه اشتراه منهما، وذَكَر أهل السير ما يدلّ على أنهم أخذوا الثمن، فقد ذكر ابن سعد في "الطبقات" عن الواقديّ، عن معمر، عن الزهريّ: "أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر أبا بكر أن يُعطيهما ثمنه قال: وقال غير معمر: أعطاهما عشرة دنانير.

وقد أجاب في "الفتح" عن هذا بما حاصله أنه لا منافاة بينهما؛ لأنه يُجمع بأنهم لَمّا قالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه، سأل -صلى اللَّه عليه وسلم- عمن يختصّ بملكه منهم، فعيّنوا الغلامين، فابتاعه منهما، فحينئذ يَحْتمل أن يكون الذين قالوا له: لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه تحمّلوا عنه للغلامين بالثمن، وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه. انتهى (١).

وقال في "المنهل" بعد ذكر نحو ما تقدّم: ويُجمع بين رواية الواقديّ وما بعدها بأن أبا بكر رَغِبَ في الخير كما رغب فيه أسعد، وأبو أيوب، ومعاذ بن عفراء، فدفع أبو بكر العشرة، ودفع كلّ من أولئك ما دفع، فاشتركوا في الثمن. انتهى (٢)، وهو جمع حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الحافظ ابن رجب بعد ذكر رواية الواقديّ المتقدّمة ما نصّه: وهذا إن صحّ يدلّ على أن الغلامين كانا قد بلغا الحلم، وحديث أنس أصحّ من رواية يرويها الواقديّ، عن معمر وغيره، عن الزهريّ مرسلةً، فإن مراسيل الزهريّ لو صحّت عنه، فهي من أضعف المراسيل، فكيف إذا تفرّد بها الواقديّ؟. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لكن فيه أن رواية الواقدي موافقة لما في "صحيح البخاريّ" في "الهجرة"، إلا في دفع أبي بكر -رضي اللَّه عنه- الثمن، فلا وجه لطعن ابن رجب للرواية، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ أَنَسٌ) -رضي اللَّه عنه- (فَكَانَ فِيهِ) أي في الحائط الذي بُنِي في مكانه المسجدُ


(١) "الفتح" ٧/ ٢٩٠.
(٢) "المنهل العذب المورود" ٤/ ٥٦.
(٣) "فتح الباري" لابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ٢/ ٢٩٧.