الميم تُشعر بالجمع، كما في "عليهم"، وقال الكوفيون: أصله اللَّهُ أُمَّنا بخير، أي اقصِدْنا، فخُفِّف، فصار اللهم (إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ) وفي رواية أبي داود: "اللهم إنّ الخير خير الآخرة"(فَانْصُرِ الأنْصَارَ) هكذا رواية المصنّف "فانصر"، وهي رواية البخاريّ في "الهجرة"، ورواية أبي داود أيضًا، ووقع في رواية للبخاريّ:"فاغفر للأنصار" قال في "العمدة": كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي، والحمويّ:"فاغفر الأنصارَ" بحذف اللام، ووجهه أن يُضَمَّنَ "اغْفِرْ" معنى "استُرْ"، و"الأنصار": جمع نَصِير، كأشراف جمع شريف، والنصير الناصر، مِن نَصَره اللَّه على عدوّه ينصره نصرًا، والاسم النُّصْرة بالضمّ، وسُمُّوا بذلك؛ لأنهم آووا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعزّروه، ونصروه، واتّبعوا النور الذي أُنزل معه -رضي اللَّه عنهم-.
(وَالْمُهَاجِرَهْ) أي الجماعة المهاجرة، وهم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة النبوية؛ محبةً فيه، وطلبًا للآخرة.
والهجرةُ في الأصل من الْهَجْر ضِدّ الوصل، وقد هَجَره يَهْجُره هجرًا، من باب نصر، وهِجْرانًا: إذا قطعه، وترك وصله، ثم غَلَب على الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية، يقال منه: هاجر مُهاجرةً.
وقال الكرمانيّ: واعلم أنه لو قُرئ هذا البيت بوزن الشعر ينبغي أن يوقف على "الآخرة"، و"المهاجرة"، إلَّا أنه قيل: إنه قرأهما بالتاء متحركة خروجًا عن وزن الشعر. انتهى.
وتعقّب الحافظ كلام الكرمانيّ هذا بأنه لم يذكر مستنده، وبأن قوله في رواية البخاريّ في "الهجرة": "فتمثل بشعر رجل من المسلمين"(١)، أي فإن كونه شعرًا ينافي قراءته بتحريك التاء، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.