للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وليست حرمتهم موتى بأعظم منها، وهم أحياء، بل هو مأجور في ذلك.

وإلى جواز نبش قبورهم للمال ذهب الكوفيون، والشافعيّ، وأشهب بهذا الحديث.

وقال الأوزاعيّ: لا يُفْعَل؛ لأن رسول اللَّه لما مَرّ بالحجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظَلَموا إلَّا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم ما أصابهم"، متّفق عليه، فنهى أن يدخل عليهم مساكنهم، فكيف قبورهم؟ وقال الطحاويّ: قد أباح دخولها على وجه البكاء. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يظهر لي جواز نبش قبور المشركين عند الحاجة؛ لحديث الباب، ولا يعارضه حديث: "لا تدخلوا. . . إلخ"؛ لأنه يُحمل على غير الحاجة، أو كان على وجه الغفلة، واللهو دون البكاء والخشية، واللَّه تعالى أعلم.

قال: [فإن قلت]: هل يجوز أن تُبْنَى على قبور المسلمين؟.

[قلت]: قال ابن القاسم: لو أن مَقْبَرة من مقابر المسلمين عَفَت، فَبَنَى قوم عليها مسجدًا، لم أر بذلك بأسًا، وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم، لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا دَرَست، واستُغْنِي عن الدفن فيها جاز صرفها إلى المسجد؛ لأن المسجد أيضًا وقف من أوقاف المسلمين، لا يجوز تملكه لأحد، فمعناهما على هذا واحد.

قال العينيّ: وذكر أصحابنا -يعني الحنفيّة- أن المسجد إذا خَرِب ودَثَر، ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا عَفَت، ودَثَرت تعود ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكًا يجوز أن يَبْنِي موضع المسجد دارًا، وموضع المقبرة مسجدًا، وغير ذلك، فإذا لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: في عودها إلى ملك أصحابها في هذه الحالة عندي نظر؛ بل الذي يظهر في مثل هذه الحالة أن تباع، ويُصرَف ثمنها في إنشاء محلّ مسجد، أو مقبرة في مكان ينتفع به المسلمون، واللَّه تعالى أعلم.

١٤ - (ومنها): جواز قطع الأشجار المثمِرَة للحاجة والمصلحة؛


(١) "عمدة القاري" ٤/ ٢٦٤ - ٢٦٥.