للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقد يأتي مثل ذلك في آيات القرآن، وفي كل كلام، وليس ذلك شعرًا، ولا في معناه، كقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢]، وقوله: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: ١٣]، وقوله: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: ١٣] إلى غير ذلك من الآيات.

وقد ذكر ابن العربيّ منها آيات، وتكلم عليها، وأخرجها عن الوزن، على أن أبا الحسن الأخفش قال في قوله: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ": ليس بشعر.

وقال الخليل في "كتاب العين": إنّ ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرًا، ورُوي عنه أنه من منهوك الرجز، وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقف على الباء، من قوله: "لَا كَذِبْ"، ومن قوله: "عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"، ولم يُعْلَم كيف قاله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال ابن العربيّ: والأظهر من حاله أنه قال: "لَا كَذِب" الباء مرفوعة، وبخفض الباء من "عبد المطلب" على الإضافة.

وقال النحاس: قال بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرًا؛ لأنه إذا فَتَحَ الباءَ من البيت الأول، أو ضمها، أو نوّنها، وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر.

وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر، وهذا مكابرة للعيان؛ لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره، وأما قوله: "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ" فقيل: إنه من بحر السريع، وذلك لا يكون إلا إذا كسرت التاء من "دَمِيت"، فان سكن لا يكون شعرًا بحال؛ لأن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول، ولا مدخل لفعول في بحر السريع، ولعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالها ساكنة التاء، أو متحركة التاء من غير إشباع.

والمعوَّل عليه في الانفصال على تسليم أن هذا شعر، ويسقط الاعتراض، ولا يلزم منه أن يكون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عالِمًا بالشعر، ولا شاعرًا أن التمثل بالبيت النزر، وإصابة القافيتين من الرجز وغيره، لا يوجب أن يكون قائلها عالِمًا بالشعر، ولا يُسَمَّى شاعرًا باتفاق العلماء، كما أن من خاط خيطًا لا يكون خياطًا.

قال أبو إسحاق الزجاج: معنى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ}: وما علّمناه أن يَشْعُر، أي ما جعلناه شاعرًا، وهذا لا يمنع أن يُنْشِد شيئًا من الشعر.