كان في ذلك الزمان؛ لقرب العهد بعبادة الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام، وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد، هذا أو معناه.
قال: وهذا عندنا باطل قطعًا؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، فإنهم يقال لهم:"أحيُوا ما خلقتم".
وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل، وقد صُرّح بذلك في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المشبّهون بخلق اللَّه"، وهذه علة عامّة مستقلة مناسبة لا تخص زمانًا دون زمان، وليس لنا أن نتصرّف في النصوص المتظاهرة المتظافرة بمعنى خياليّ يمكن أن لا يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره، وهو التشبيه بخلق اللَّه، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بَنَوا على قبره مسجدًا" إشارة إلى المنع من ذلك، وقد صَرَّح به الحديث الآخر:"لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد". انتهى كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١). وهو تحقيقٌ نفيسٌ مفيد، واللَّه تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): النهي عن بناء المساجد على القبور، والحقّ أنه للتحريم، كيف وقد ثبت اللعن عليه؟، قال في "العمدة": وأما الشافعيّ وأصحابه فصرَّحُوا بالكراهة، وقال البندنيجيّ: والمراد أن يُسَوَّى القبر مسجدًا، فيصلى فوقه، وقال: إنه يكره أن يُبنَى عنده مسجد، فيصلى فيه إلى القبر، وأما المقبرة الداثرة إذا بُنِي فيها مسجد ليصلَّى فيه، فلم أر فيه بأسًا؛ لأن المقابر وقف، وكذا المسجد فمعناها واحد.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ظاهر النصّ العموم، فلا ينبغي العدول عنه، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
وقال البيضاويّ: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلةً يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا لعنهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا للتعظيم له، ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور. انتهى.