للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَا تُعَادِ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ … كَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ

ثم هو في الشرع: عبارة عن التذلّل بالانحناء، وأقلّه عندنا -يعني المالكيّة- تمكين وضع اليدين على الركبتين منحنيًا، وهو الواجب، وهل الطمأنينة واجبة، أو ليست بواجبة؛ قولان، وعند أبي حنيفة: الواجب منه أقلّ ما يُطلق عليه اسم المنحني، والحديث الصحيح يردّ عليه. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الحديث الصحيح أيضًا يردّ على من يقول من المالكيّة ويخرهم: إن الطمأنينة غير واجبة، فقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- للمسيء صلاته: "ثم اركع حتى تطمئنّ راكعًا. . . " الحديث، متفقّ عليه، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في محلّه، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقال القاضي عياض؛ بعد ذكره نحو ما تقدّم عن القرطبيّ ما نصّه: وهذه صفة الخاضع الذليل الملقي بيده المستسلم، بل قيل: هي صورة الممكّن نفسه لضرب عنقه، وتلك غاية صور الاستسلام، لا سيّما ما كان عليه أول الشرع من التطبيق، وحبس اليدين بين الفخذين كالمكتوف. انتهى (١).

(وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَرَاهُمْ) أي أرى ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- الحاضرين كيفيّة التطبيق الذي رآه من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقوله: "فلكأني" الفاء فاء الفصيحة، واللام هي لام الابتداء، و"كأنّ" أداة تشبيه، أراد بذلك أنه حفظ هذه القضيّة من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما نسيها إلى ذلك الوقت، بل يستحضر صورتها أمامه، ويتخيّلها، ففيه تأكيد إخباره بذلك، ولقد صدق ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فيما قاله، وصحّ ذلك عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنه منسوخ، ولم يبلغه نسخه، فلهذا استمرّ عليه، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الذي ذكره من تشبيك اليدين، وتطبيقهم بين الفخذين هو مذهب ابن مسعود وأصحابه خاصّةً، وهو صحيح من فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أنه منسوخ، كما ذُكر في حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي اللَّه عنه-، ولم يبلُغ ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- نسخه، قال: وعلى نسخ التطبيق كافّة العلماء غير من


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٤٥٨.