مقتضى صنيع الشيخين، حيث أخرجا الحديث في هذا الباب احتجاجًا به على هذا الحكم، وإلى هذه المسألة أشار السيوطيّ في "ألفيّة الحديث"، حيث قال:
وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوَابِ … نَحْوُ "مِنَ السُّنَّةِ" مِنْ صَحَابِي
كَذَا "أُمِرْنَا" وَكَذا "كُنَّا نَرَى … فِي عَهْدِهِ" أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى
واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم التطبيق:
قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التطبيق منسوخ عند أهل العلم، لا خلاف بين العلماء في ذلك، إلا ما رُوي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- وبعض أصحابه أنهم كانوا يُطَبِّقون. انتهى بتصرّف (١).
وأخرج الإمام ابن المنذر بسنده حديث الباب، ثم أخرج بسند قويّ عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: إنما فعله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مرّة -يعني التطبيق-.
ثم قال: فقد ثبتت الأخبار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه وضع يديه على ركبتيه، ودلّ خبر سعد -يعني حديث الباب- على نسخ التطبيق، والنهي عنه.
ولا يقولنّ قائل: إن المصلّي بالخيار، إن شاء طبّق يديه على ركبتيه، وإن شاء وضع يديه على ركبتيه؛ لأن في خبر سعد -رضي اللَّه عنه- النهيَ عنه.
قال: وممن رَوَينا عنه من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه وَضَعَ يديه على ركبتيه، وأمر بذلك: عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهم-، ثم أخرج آثارهم بأسانيدها.
ثم قال: ورَوَينا ذلك عن عروة بن الزبير، وسعيد بن جُبير، وعطاء، ومجاهد، والنخعيّ، وبه قال سفيان الثوريّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وكلّ من لقيته من أهل العلم.
وكان عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-، والأسود، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن بن الأسود يُطبِّقون أيديهم بين رُكَبهم إذا ركعوا.
وقد روينا عن عليّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قولًا ثالثًا من حديث عاصم بن
(١) راجع: "جامع الترمذيّ" ٢/ ١١٥ بنسخة "تحفة الأحوذيّ".