للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن برهان، فيكون علمًا، أو عن غيره فيكون اعتقادًا جزمًا، ويجوز أن يُحرِّم الله تعالى من مات على الشهادتين على النار مطلقًا، ومن دخل النار من أهل الشهادتين بكبائره حرّم على النار جميعه، أو بعضه، كما قال في الحديث الآخر: "فتحرّم صورهم على النار" (١)، وقال: "حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود" (٢)، ويجوز أن يكون معناه: إن الله يُحرّمه على نار الكفّار التي تُنضج جلودهم، ثم تُبدّل بعد ذلك، كما قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} الآية [النساء: ٥٦]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يَحْيَون، ولكنّ ناسًا أصابتهم النار بذنوبهم، فأماتهم الله إماتةً، حتى إذا كانوا فَحْمًا أُذن لهم في الشفاعة … " الحديث، وسيأتي للمصنّف (٣)، انتهى كلام القرطبيّ (٤).

وقال في "الفتح": قوله: "صدقًا" فيه احتراز عن شهادة المنافق، وقوله: "من قلبه" يمكن أن يتعلق بـ "صدقًا"، أي يشهد بلفظه، ويُصَدِّق بقلبه، ويمكن أن يتعلق بـ "يَشْهَد"، أي يشهد بقلبه، والأول أولى.

وقال الطيبيّ: قوله: "صدقًا" أقيم هنا مُقامَ الاستقامة؛ لأن الصدق يُعَبَّر به قولًا عن مطابقة القول الْمُخْبَرِ عنه، ويُعَبَّر به فعلًا عن تَحَرِّي الأخلاق المرضية، كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: ٣٣]، أي: حَقَّق ما أورده قولًا بما تَحَرّاه فعلًا، انتهى.

وأراد بهذا التقريرِ رفعَ الإشكال عن ظاهر الخبر؛ لأنه يقتضي عدم دخول جميع من شَهِدَ الشهادتين النار؛ لما فيه من التعميم والتأكيد، لكن دَلَّتِ الأدلة القطعيةُ عند أهل السنة على أن طائفةً من عصاة المؤمنين يُعَذَّبون، ثم يُخرَجون من النار بالشفاعة، فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مُقَيَّدٌ بمن عمل الأعمال الصالحة، قال: ولأجل خفاء ذلك لم يُؤذَن لمعاذ في التبشير به.


(١) رواه البخاريّ في "صحيحه" رقم (٧٤٣٩).
(٢) متّفق عليه، رواه البخاريّ (٦٥٧٣) ومسلم (١٨٢) رقم محمد فؤاد عبد الباقي.
(٣) يأتي برقم (١٨٤) رقم محمد فؤاد عبد الباقي.
(٤) "المفهم" ١/ ٢٠٨ - ٢٠٩.