(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِذًا) هي "إذا" الشرطيّة، حُذف فعل شرطها وعُوِّض عنه التنوينُ (١)، كما في قوله تعالى:{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ}[الإسراء: ٧٥]، وقوله:{وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ}[النساء: ٦٧]، والمعنى: إذا أخبرتهم بها (يَتَّكِلُوا) أي يستندوا إليها، ويتركوا العمل.
وقال في "الفتح": وقوله: "إذًا يَتّكِلوا" - بتشديد المثنّاة المفتوحة، وكسر الكاف - وهو جواب وجزاء، أي إن أخبرتهم يتكلوا، وللأصيليّ، والكشميهنيّ: "يَنْكُلُوا" - بإسكان الكاف - أي يمتنعوا من العمل؛ اعتمادًا على ما يتبادر من ظاهره.
ورَوَى البزار بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - في هذه القصة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لمعاذ - رضي الله عنه - في التبشير، فلقيه عمر - رضي الله عنه -، فقال: لا تعجل، ثم دخل، فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيًا، إن الناس إذا سَمِعُوا ذلك اتكلوا عليها، قال: فَرَدَّه.
وهذا معدود من موافقات عمر - رضي الله عنه -، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، واستَدَلّ بعض متكلمي الأشاعرة من قوله: "يتكلوا" على أن للعبد اختيارًا، كما سبق في علم الله.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا عزا في "الفتح" هذا الاستدلال لبعض الأشاعرة، وهو الصواب الذي عليه مذهب السلف - رضي الله عنهم -.
قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله فيما علّقه على "الفتح": هذا الذي عَزاه الشارح لبعض متكلمي الأشاعرة هو قول أهل السنة، وهو أن للعبد اختيارًا، وفعلًا، ومشيئةً، لكن ذلك إنما يقع بعد مشيئة الله تعالى، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} [التكوير: ٢٨ - ٢٩]، فتنبه، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
(فَأَخْبَرَ بِهَا) أي بهذه البشارة (مُعَاذٌ) - رضي الله عنه - (عِنْدَ مَوْتِهِ) أي موت معاذ - رضي الله عنه -،
(١) كون تنوين "إذا" الشرطيّة للتعويض أثبته جماعة من النحاة، واختاروه، وقد أجاد بحثه العلامة ياسين الحمصيّ في "حاشية التصريح على التوضيح" ١/ ٣٤، فراجعه، فإنه بحث مهمّ جدًّا، والله تعالى أعلم.