للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأغرب الكرمانيّ، فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ: ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما -، قال: أخبرني من شَهِدَ معاذًا حين حضرته الوفاة يقول: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، لم يمنعني أن أحدثكموه، إلا مخافة أن تتكلوا … "، فذكره. انتهى (١).

وقوله: (تَأَثُّمًا") - بفتح الهمزة، وتشديد المثلثة المضمومة -: أي تجنّبًا للإثم، يقال: تأثّم فلانٌ: إذا فعل فعلًا خَرَج به من الإثم، كما يُقال: تَحرَّج: إذا فَعَل ما يخرُجُ به من الْحَرَج، قاله ابن الأثير رحمه الله تعالى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: "تأثُّمًا": أي تحرّجًا من الإثم، وخوفًا منه، قال الهرويّ وغيره: وتفَعَّل كثيرًا ما يأتي لإلقاء الرجل الشيء عن نفسه، وإزالته عنه، يقال: تَحَنَّثَ، وتحرّج، وتحوّب (٣): إذا ألقى عن نفسه ذلك، ومنه فلان يتهجّد، أي يُلقي الْهُجُود - أي النوم - عن نفسه، ومنه امرأةٌ قَذَوَّرٌ: إذا كانت تتجنّب الأقذار، حكاه الثعالبيّ، انتهى (٤).

وقال النوويّ رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة: تَأَثَّم الرجلُ: إذا فَعَلَ فعلًا يَخرجُ به من الإثم، وتَحَرَّج: أزال عنه الحرَج، وتحنّث: أزال عنه الْحِنْثَ.

ومعنى تَأَثُّم معاذٍ - رضي الله عنه - أنه كان يحفظ علمًا، يَخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممن كَتَمَ علمًا، وممن لم يَمْتثل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ سنته، فيكون آثمًا، فاحتاط، وأخبر بهذه السنة؛ مخافةً من الإثم، وعَلِمَ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن الإخبار بها نهيَ تحريم.

قال القاضي عياض: رحمه الله تعالى: لعل معاذًا لم يَفْهَم من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - النهي، لكن كسر عزمه عما عَرَضَ له من بشراهم، بدليل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "من لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله، مستقينًا بها قلبُهُ، فبشره


(١) "الفتح" ١/ ٢٧٤.
(٢) "النهاية" ١/ ٢٤.
(٣) التَّحُّوبُ: التوجُّعُ، وتركُ الْحُوب أي الإثم، كالتأثُّم، أفاده في "القاموس" ص ٧٣.
(٤) "المفهم" ١/ ٢٠٩.