للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالجنة قال: أو يكون معناه: بلغه بعد ذلك أمرُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة - رضي الله عنه -، وخاف أن يكتم علمًا عَلِمَه، فيأثم، أو يكون حَمَلَ النهي على إذاعته.

قال النوويّ: وهذا الوجه ظاهرٌ، وقد اختاره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى، فقال: مَنْعُهُ من التبشير العامّ؛ خوفًا من أن يَسْمَعَ ذلك مَن لا خِبْرَة له، ولا علم، فيغترّ، وَيتَّكِل، وأخبر به - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص من أَمِنَ عليه الإغترار والإتكال، من أهل المعرفة، فإنه أخبر به معاذًا، فسلك معاذٌ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصة مَن رآه أهلًا لذلك، انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي اختاره ابن الصلاح رحمه الله تعالى، سيأتي قريبًا ما يضعفه - إن شاء الله تعالى -.

وقال في "الفتح": قوله: "تأثّمًا": أي خشيةَ الوقوع في الإثم، والمراد بالإثم هو الحاصلُ من كتمان العلم، ودَلَّ صنيع معاذ - رضي الله عنه - على أنه عَرَفَ أن النهي عن التبشير، كان على التَّنْزِيه، لا على التحريم، وإلا لَمَا كان يخبر به أصلًا، أو عَرَفَ أن النهي مُقَيَّدٌ بالإتكال، فأخبر به من لا يَخْشَى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد، والأول أوجه؛ لكونه أخَّر ذلك إلى وقت موته انتهى (٢).

وقال في محلّ آخر: قوله: "فأخبر بها معاذ عند موته تَأَثّمًا": معنى التأثم: التحرُّج من الوقوع في الإثم، وهو كالتحنُّث، وإنما خشي معاذ - رضي الله عنه - من الإثم المرتب على كتمان العلم، وكأنه فَهِمَ من منع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر بها إخبارًا عامًّا؛ لقوله: "أفلا أبشر الناس؟ "، فأخذ هو أوّلًا بعموم المنع، فلم يخبر بها أحدًا، ثم ظَهَرَ له أن المنع إنما هو من الإخبار عمومًا، فبادر قبل موته، فأخبر بها خاصًّا من الناس، فجمع بين الحكمين، ويُقَوِّي ذلك أن المنع لو كان على عمومه في الأشخاص، لَمَا أخبر هو بذلك، وأخذ منه أن من كان في مثل مقامه في الفهم، أنه لم يُمنَع من إخباره.

وقد تُعُقِّب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه آخر، فيه انقطاع، عن معاذ - رضي الله عنه - أنه لَمّا حضرته الوفاة قال: أَدْخِلوا عليّ الناس، فأُدخِلوا عليه،


(١) "شرح مسلم" ١/ ٢٤٠ - ٢٤١.
(٢) "الفتح" ١/ ٢٧٤.