فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"من مات لا يشرك بالله شيئًا، جعله الله في الجنة"، وما كنت أحدثكموه إلا عند الموت، وشاهدي على ذلك أبو الدرداء، فقال: صَدَقَ أخي، وما كان يحدثكم به إلا عند موته.
وقد وقع لأبي أيوب - رضي الله عنه - مثل ذلك، ففي "المسند" من طريق أبي ظَبْيان، أن أبا أيوب - رضي الله عنه - غزا الروم، فمَرِض، فلما حُضِرَ، قال: سأحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لولا حالي هذه ما حدثتكموه، سمعته يقول:"من مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة".
وإذا عُورِضَ هذا الجواب، فأُجيب عن أصل الإشكال بأن معاذًا اطّلَعَ على أنه لم يكن المقصود من المنع التحريمَ، بدليل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَبا هريرة - رضي الله عنه - أن يبشر بذلك الناس، فلقيه عمر - رضي الله عنه -، فدفعه … " الحديث.
فكأنّ قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: "أخاف أن يَتّكِلوا"، كان بعد قصة أبي هريرة - رضي الله عنه -، فكان النهي للمصلحة، لا للتحريم، فلذلك أخبَرَ به معاذ - رضي الله عنه - لعموم الآية بالتبليغ، انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تلخّص مما سبق أن أقرب الأجوبة عن الإستشكال المذكور أنّ معاذًا - رضي الله عنه - فهم أن النهي من باب رعاية المصلحة والأولويّة، لا من باب التحريم، فترك الإخبار به حياته عملًا بظاهر النهي، فلمّا دنا أجله، وخشي موته دون أن يبلّغ ما تحمّله رأى المصلحة في إخباره به؛ إبقاءً للعلم، وهذا توجيه حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
حديث أنس - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه.
أخرجه (المصنّف) هنا في "الإيمان" (١١/ ١٥٥) عن إسحاق بن منصور، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عنه.